بطبيعة الحال فإن دول محور العدوان المهزومة في قلعة العروبة والصمود سورية وسقوط مشروعها التقسيمي الذي كان يهدف إلى إلغاء دورها الممانع للهيمنة الصهيو-أميركية، وإن أقرَّت تلك الدول بالهزيمة ضمناً، فإنها ليس من السهولة أن تعترف بها علناً أمام العالم وفي المحافل الدولية حتى وإن بدأت تهرول لنيل حصتها من إعادة الإعمار مباشرة أو عبر شركات أصبحت معروفة، أو السيطرة على الثروات النفطية والغازية أو على جزء منها.
لذلك فإن تلك الدول ومع دخول العام التاسع للحرب الكونية بدأت تعمل بخطط أخرى تحت عنوان إطالة أمد الصراع لمنع سورية من استثمار انتصارها وعودتها إلى وضعها الطبيعي بسيادة غير منقوصة مع حلفائها الذين وضعتهم على خريطة القرار الدولي.
وبهذه الخطط المركبة يكون المعتدي قد انتقل إلى استراتيجية جديدة لتعطيل استثمار الانتصار أو إفراغه من محتواه، وهو بما تعبر عنه أميركا في كل المناسبات بـ (إطالة أمد الصراع).
ولتنفيذ هذا المخطط فقد بدأت أميركا وحلفاؤها بالعمل على أربعة محاور كسلسلة مترابطة كل حلقة منها تؤثر في مسار الأخرى.
المحور الأول ميداني عملياتي يتمظهر بالعمليات الإرهابية التي تقوم بها منظمات برعاية أميركية -تركية، والثاني ديمغرافي من خلال توطين فئات في مناطق الشمال والشمال الشرقي، ثم اقتصادي عمراني وما فيه من تضييقات على حلفاء سورية والاستمرار في تصعيد الحرب المالية والاقتصادية على سورية وربط عملية إعادة الإعمار أو المساعدة فيه، ويبقى الأخير السياسي الذي يتصل بالاستقرار النهائي للدولة.
وفي التفاصيل فإن محور العدوان يعمل حالياً بشتى الوسائل لمنع الاستقرار الأمني ومنع الدولة السورية من استعادة سيطرتها على ما تبقى من أرضها، كما تعمل من خلال الضغوطات الهائلة والتخويف والمغريات على منع عودة النازحين السوريين من دول الجوار المتخمة بهم إذ يفوق عددهم الـ 4 ملايين تريد أميركا أن يبقوا خاضعين للإرادة الدولية لإبقائهم حيث هم وكما هم تحت نير الذل والمهانة. ولذلك تهدد الدول الحاضنة لهم بالتمسك بما يسمى العودة الطوعية كما قرر مؤتمر بروكسل، رابطاً المساعدات بشأن النازحين لهذه الدول لحمل عبء النزوح.
ويلاحظ المراقبون أن محور العدوان الذي كان يستميت في الحصول على حصته في إعادة الإعمار بدأ يعرقل هذه العملية تارة بالعقوبات وطوراً بتصعيد الحرب المالية وربط الإعمار بالحلّ السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة لتفسح في المجال للدول المهزومة أن تأخذ بالسياسة ما عجزت عن أخذه بالحرب.
كما تقوم أميركا ودول محور العدوان بعرقلة المصالحة الوطنية الذي كاد الأكراد يقومون بها للعودة إلى حضن الوطن بدلاً من البقاء رهائن للأميركيين والأتراك والمنظمات الإرهابية لأن انطلاق العملية السياسية يعني سيادة سورية كاملة على كل أراضيها وعلى كل شعبها، لكن الغرب يريد بعد فشل مخططه التقسيمي بتغيير النظام السياسي إلى نظام طائفي واثني هش يسود فيه التنازع الداخلي والاقتتال.
لقد انتصرت سورية وتدرك ذلك ولكن الأهم هو أن تحافظ على هذا الانتصار وتستثمره، وتحول دون أي عملية اختراق سواء عبر ما ذكرناه أو في العودة إلى الاستمرار في توظيف المنظمات الإرهابية في المناطق التي تتواجد فيها في حرب استنزاف وحرب خلايا إرهابية وهذا ما تشهده تلك المناطق متزامنة مع وجود أميركي احتلالي رمزي يؤكد وجودها لحراسة تلك المنظمات.
هذا الواقع المستجدّ سيفرض على سورية وحلفائها في محور المقاومة التعامل معه بكلّ جدية، ومن هنا نفهم المواقف السورية الثابتة كما نفهم جهوزية الجيش العربي السوري الذي سيستمر مع الحلفاء لتحقيق الانتصار النهائي والناجز.
إن غداً لناظره قريب..
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 2-4-2019
الرقم: 16946