دخل (أبو تمام) إلى منزله وعلامات الفرح بادية على وجهه، وما إن أغلق الباب وراءه حتى صدح صوته عالياً مغنياً ومنتشياً (على دلعونا على دلعونا.. جبنا البطاقة دخيل عيونا – رح نعبي فيها غاز ومازوت .. خلي كل أهل الحارة يجوا يشوفونا).
حضرت زوجته راكضة إليه لتعرف ما السبب الجلل الذي غيّر من مزاج زوجها وجعله بهذه السعادة المفرطة، ولكن الزوج لم ينتظر سؤالها وبادرها قائلاً: (بعد الكثير من الطحش والدفش فزنا وحققنا الانتصار وحصلنا ليس على بطاقة واحدة وإنما على بطاقتين للبنزين وأخرى للمازوت والغاز.. فعلتها رغم العجقة الكبيرة، ومن اليوم سيعود الدفء إلى بيتنا والنار إلى غازنا، خاصة أنني قبضت معاشي وحتى اللحظة لم أصرف منه قرشاً واحداً).
نظرت إليه الزوجة يتمازج فيها إحساس الشفقة مع إحساس (لا حول ولا قوة إلا بالله).. (أبو تمام) وهو بهذا العنفوان استل الهاتف من غمده على الطاولة وبدأ حربه الأولى.. ساعة كاملة وهو يعيد طلب الرقم المكتوب على البطاقة الذكية لتعبئة المازوت، وبعد أكثر من مئة محاولة أجابه المجيب الآلية مُرحباً به طالباً منه إدخال رقم بطاقته الذكية فأدخله، وإذ هناك طلب آخر هو رقمه الوطني فهرع إلى محفظته ليأتي بالهوية وما إن أمسك بسماعة الهاتف حتى اكتشف أن المكاملة تم إنهاؤها وعليه معاودة الكرّة.. لم يستسلم وإنما قرر المُقارعة.. وضع أمامه على الطاولة هويته الشخصية، بطاقة التأمين، البطاقة الذكية، بطاقة عمله، بطاقة النقابة، بطاقة اشتراكه في المكتبة، ميكانيك السيارة، شهادة السواقة، دفتر العائلة، آخر قيد نفوس عائلي، شهادة وفاة والده.. وذلك كله تحسباً لأي طلب من هاتفه مع البطاقة الذكية، وقرر معاودة المحاولة وبالفعل فاز بالاتصال بعد ساعة أخرى من الوقت وأعطاهم رقم بطاقته ورقمه الوطني وإذ يقولون له إن رقم تسجيله سيصل برسالة إلى هاتفه.. وهذا ما حصل فعلاً، لقد وصلت رسالة إلى هاتفه تقول: (تم ارسال طلبك بنجاح، رقم طلبك ؟؟؟510).. عندما قرأ الرسالة لم يعرف هل يعلن انتصاره مرة أخرى أم ماذا؟.. الوصول للتسجيل بحد ذاته انتصار، ولكن يبدو أن هناك مقلباً مُختبئاً في أحد أركان السمّاعة خاصة أن الرقم الذي أُعطِي له بمئات الألوف أي أن دوره بالتعبئة قد يطول للعام التالي أو حتى ما بعد التالي!!.. ولكن قرر ألا تُذبِل فرحته أمور صغيرة تافهة لا قيمة لها فقد أتته رسالة من الشركة الخاصة بالبطاقة الذكية وهذا بحد ذاته انتصار.. فقرر مرة أخرى أن يُعلن انتصاره ويقول بملء حنجرته لقد فزت وموضوع المازوت استطعت حله.. (ويلي علينا فعلناه).
فرحته لم تكتمل فصوت زوجته كان أسرع (خلِّصنا وجيب غاز، صرت عم أحلم فيه)، فرد سريعاً (لا تخافي البطاقة معي والغاز قريباً إلى المنزل)، هاتف (أبو سمير) الذي كان يجلب له الغاز إلى المنزل فيما سبق وسأله عن جرة غاز فضحك الأخير ضحكة مرارة وقال: (يا أستاذ الأيام تغيرت وما عاد فيني جبلك غاز، بدك تحمل البطاقة بيد وتحمل الجرة بيد أخرى وتنزل للسيارة عندما تأتي وبكل سهولة ويسر تبدلها وتحصل على جرة أخرى وعليك بحملها إلى المنزل.. هيك صار لازم تعمل) .. اصفر وجه (أبو تمام) وتلوَّن، كيف يمكنه حمل الجرة من الطابق الخامس هبوطاً وصعوداً وكيف يمكن إيصالها إلى مكان توقف السيارة وهل سينتظر أيضاً؟.. أمعقول أنه (انهزم).. لا لن يقبل بالهزيمة بعد كل تلك الانتصارات، فماذا يفعل.
وفي خضم التفكير أتى ابنه الصغير وقال له: (بابا بابا.. هل هذه البطاقة التي بين يديك تشبه مصباح علاء الدين وتُجلب لك كل ما تريد؟؟).. سكت الأب للحظة، لمعت عيناه وبرقت في ذهنه فكرة تعيد إليه نشوة انتصاراته.. أمسك بالبطاقة وبدأ يفرك بها لعل المارد يخرج ويحقق له أحلامه بالغاز والمازوت.. بدأ يفرك بها ويقول (هيا يا بطاقة نريد الغاز.. نريد المازوت.. هيا هيا..).. وهكذا استطاع هذا المواطن إعلان انتصاره مرة أخرى!..
ولكن المُفاجأة التي لم يحسب لها (أبو تمام) حساباً أن هناك أحداً ما، في مكانٍ ما، يبدو أنه يجهز له انتصاراً آخراً، ولكن هذه المرة الانتصار يتعلق بالبنزبن.
فؤاد مسعد
التاريخ: الأربعاء 10-4-2019
رقم العدد : 16953