تزدحم مسارات التجريب العبثي الأميركي، بدءاً من العقوبات والحصار، وليس انتهاءً بالرهان على الارتزاق السياسي في المخيمات التي عُوّل عليها، والتي لم يعد خافياً على أحد الوضع الكارثي لهذه المخيمات التي تسيطر عليها أميركا، أو مرتزقتها وإرهابييها، بما فيها مخيم الركبان.
ولم يكن توصيف الناطق الروسي عنها مصادفةً، أو بغرض تسجيل النقاط، وهو ما بات يعرفه القاصي والداني، بقدر ما يحمل رسالة واضحة، بأنَّ الوضع وصل إلى حدّ لم يعد من الممكن أو المتاح السكوت عنه أو تجاهله، ولابدّ من خطوات في هذا الاتجاه، وخصوصاً لجهة التوقيت، وبعد أن يئست روسيا من التجاوب مع مبادراتها المتكررة.
فالحالة المتردية التي كشفها الخارجون من «مخيم الموت»، كما بات يعرف، أعطت التفاصيل التي لا يريد الكثيرون في هذا العالم رؤيتها، ولا الحديث عنها، ولا حتى النقاش في المسؤولية الأميركية عنها، وخصوصاً بعد أن رفضت مراراً وتكراراً الاجتماع للنقاش حول وضع كل المخيمات، التي فقدت في الجزء الأكبر مسوغات وجودها في الداخل والخارج.
ما سبق ينطبق على سائر وجود المهجَّرين السوريين في الجوار، باعتبار أنَّ اللعبة وصلت إلى نهاياتها، والاستخدام السياسي لقضيتهم لم يعد مجدياً، وفقد صلاحية المتاجرة به، وفي كثير من الأحيان بات عبئاً على الذين استقووا به من أجل المبازرة السياسية الرخيصة، التي فقدت ذرائعها الإنسانية، والتي كان يتشدّق بها الكثيرون، إذ إنه وتحت هذا الشعار ذاته، لابدَّ من النظر إلى المسألة بجدية، حيث لم يعد هناك متسعٌ للمماطلة ولا للتسويف.
الفارق أن أميركا لم يعد لديها المبرر، وهي تدرك أنها إذا ما فتحت النقاش حول المخيمات التي تسيطر عليها، فلابدَّ أن تكرّ السبّحة على البقية الباقية من تلك المخيمات التي أقيمت في بعض الدول، حتى قبل أن يكون هناك أزمة مهجّرين.
والاختلاف أن أميركا التي وصلت إلى حدّ التسليم بعجزها عن الاستمرار في التوظيف السياسي والاستغلال اللاأخلاقي لقضية المهجرين، تدرك أيضاً أنها ستكون المقياس للبقية الباقية من الدول التي تأتمر بالإيحاءات الأميركية، وتخشى أن تفقد كل الأوراق دفعةً واحدةً حتى ورقة التوت.
سوق المخيمات لابدَّ من وضع حدٍّ نهائي له، سيغلق في وقت لم يعد بعيداً، وسوق الافتراءات الأميركية والأكاذيب التي كانت رائجة، باتت بضاعة كاسدة، خبرها العالم على مدى سنوات خلت، واقتربت اللحظة التي ينتظرها الآلاف من المحتجزين داخل تلك المخيمات.
الإفلاس الأميركي من موضوع المخيمات سيجر وراءه سلسلةً من حالات الإفلاس المتشابهة، التي تتقاطع فيها الخيارات الأميركية، بما فيها العقوبات التي لم يسبق أن أعطت نتيجة سوى معاقبة الشعوب التي تطولها، وغضب هذه الشعوب وسخطها على السياسة الأميركية، ولن يطول الأمد، حتى تكتشف واشنطن أنها كانت من دون طائل ولا جدوى منها، حالها في ذلك حال المخيمات التي كانت تعول عبرها على الاسترزاق السياسي، وتراهن في أوراق تحترق أمام ناظريها، والخارجون من مخيم الركبان يتكفلون ببقية التفاصيل.
الافتتاحية
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء 23-4-2019
رقم العدد : 16962
السابق