(يحدث في غيابك) الفيلم الروائي الطويل الذي يدخل من خلاله الفنان والمخرج سيف الدين سبيعي عالم الإخراج السينمائي بتحدٍ يُحسب له ، فالفيلم الذي تدور أحداثه في مكان واحد وعبر فترة زمنية لا تتجاوز الثلاثة أشهر يقوم أساساً على ظهور ممثلين اثنين في معظم مراحله ، هو من تأليف سامر اسماعيل ، تمثيل: يزن خليل ، ربى زعرور ، نور الوزير ، عبد الرحمن قويدر.. وإنتاج المؤسسة العامة للسينما ، ويتناول حكاية صحفي وطبيبة ينتميان إلى بيئتين مختلفتين وتبدأ جدلية العلاقة بينهما عبر عملية خطف بدافع الانتقام ليجتمعا معاً ضمن منزل مهجور وسط حالة من الدمار والخطر والخوف.. حول الفيلم كان لنا هذا اللقاء مع مخرجه الفنان سيف الدين سبيعي.
ـ كيف يمكن أن توصل إلى المشاهد الجرعة العالية للحالة الإنسانية المُقدمة في الفيلم بكامل تأثيرها؟ ما العناصر التي اعتمدت عليها لتحقيق ذلك؟
الفيلم مكتوب بطريقة فيها درجة عالية من الرمزية سيشعر بها المشاهد منذ البداية ، فالكاتب سامر اسماعيل استطاع أن يُسقط النماذج السورية عبر فترة الأزمة من خلال الحالتين الموجودتين في الفيلم (الرجل والمرأة) ، حتى أنه ليس لهما أسماء ، فنحن لا نعرف اسم الرجل ولا اسم المرأة على مدار الفيلم كله ، وهما من تيارين سياسيين مختلفين ، اجتمعا ضمن ظرف غريب وتحت سقف يكون سجناً في البداية لكنه لا يلبث أن يتحول إلى ملجأ لكليهما.
مما لا شك فيه أنه تحدٍ كبير أن تدور أحداث الفيلم كله في مكان واحد ضمن منزل ، وليس هناك إلا ثلاث لقطات خارجية ، أتمنى أن يكون إيقاع الفيلم مضبوطاً بشكل لا نجعل فيه المشاهد يمل ولا للحظة.
ـ كيف أتى إيقاع الفيلم؟
هو إيقاع يعتمد على الأحداث الموجودة وعلى المفاجأة ، بمعنى أنك تصل إلى مرحلة تعتقد فيها أنه لن يحدث شيء ولكن يحدث ما يُفاجئك، وهكذا إلى أن ينتهي الفيلم.
ـ من هو بطلك الأساسي؟ أهو المكان أم الشخصيات أم الحدث أم الزمن؟.
بطلي هؤلاء كلهم ، ولكن مما لاشك فيه أنه في مثل هذه النوعية من الأفلام يكون الممثلون هم الأساس مع الإخراج ، لأنك لا تستطيع الاعتماد على مناظر سينمائية مُبهرة أو لقطات عظيمة ، فأنت هنا لا تستطيع الاعتماد إلا على التمثيل والايقاع الذي يحققه المخرج لتنجح مثل هذه النوعية من الأفلام.
ـ علامَ اتكأت في انتقاء الممثلين؟
قمنا بإجراء (كاستينغ) لكلا الدورين ، ونظرنا إلى الشكل والقدرة على انجاز الدور ، فالدوران صعبان، ورغم العقبات واضطرار الفنان يزن الخليل لإجراء عمل جراحي حتى بعد انطلاق التصوير كنت حريصاً على ألا يخسر الدور بسبب عارض صحي خاصة أنه أحبه، وبالنسبة لدور المرأة فقد أجريت (تيست) لفنانات سوريات ولبنانيات، وكان شكل (ربى) وحماسها ورغبتها الهائلة في العمل هو ما حسم الموضوع ، وليس كما تم الترويج له بأن هناك مشهداً له علاقة بالجرأة ، فالأمر ليس كذلك أبداً ، حتى أن المشهد غير جريء كما ينبغي، لا بل هو عادي وهناك ممثلات سوريات كن جاهزات لتقديمه ، فلم يكن هو الفيصل أبداً في اختيار الممثلة ، و(ربى) ممثلة تعمل بجدية عالية وتمثّلت هذه الجدية في الفيلم.
ـ أين انصب اهتمامك في إدارة الممثلين، هل لإظهار الشكل الخارجي أم الحالة الداخلية أم تغيّر الأداء وفق التحولات التي تجري؟
بالأساس أنا ممثل وأعرف كيف أوصل للممثل فكرتي عندما أريد منه شيئاً ، حتى إن اضطر الأمر لأن أمثّل أمامه لأعطيه الفكرة التي أريد ، فهذا الأمر بالنسية إلي يبقى أسهل لأوصل للممثل كيف أريده أن يكون في هذه اللحظة وهذه الحالة ، وعبر كل مشهد كان هناك حالة تجريبية ، نتناقش لنصل إلى النتيجة النهائية وننفذها.
ـ بما أن الأحداث تدور ضمن منزل وبين شخصين فقط ، هل جاء اعتمادك على اللقطات القريبة بشكل أكبر؟
لا يمكنك القول ان الفيلم يميل للقطات القريبة أكثر من اللقطات الواسعة ، فالبيت كان كبيراً وبالتالي كان هناك مجال للقطات الواسعة واستطعنا التحرك فيه بطريقة جيدة ، وحققنا تنوعاً في اللقطات ، ولجأنا إلى اللقطة القريبة عندما احتجنا إليها.
ـ كاميرا ضمن منزل بزواياه المحصورة ألم تجد نفسك وقد استهلكت الزوايا المتوفرة كلها؟
اشتغلنا أنا ومديرا التصوير (وائل عز الدين وعقبة عز الدين) على ألا نكرر الزوايا ، وأظن أننا وصلنا إلى نتيجة جيدة.
ـ الإطار العام للفيلم يذكرنا بفيلم (الكومبارس)؟
هو أقرب إليه ولكن في (الكومبارس) تصبح المشاهد داخل المنزل في النصف الأخير منه ، في حين أن فيلم (يحدث في غيابك) تجري أحداثها كلها في المنزل ، ويحكي عن فترة ثلاثة أشهر ضمن المنزل فنرى كيف يتغير نمط التعاطي مع الرهينة التي تصبح ما يشبه الرفيقة ومن ثم ما يشبه الزوجة داخل المنزل ، فالبيت يكون بالنسبة إليها سجناً ولكن مع الوقت وعندما تحاول الهرب وترى الدمار حولها في الخارج تخاف الخروج من المكان ، فهو ترميز إلى أن الوطن الذي يمكن أن يكون سجناً في لحظة قد يكون هو الملجأ في لحظات أخرى.
ـ ما الذي ينتصر إليه الفيلم ؟
ينتصر للحب لأنه من دون الحب لن نستطيع الاستمرار.
ـ إلى أي مدى تم الغوص في التفاصيل سعياً للوصول إلى هذه المقولة؟
الفيلم فيه حالة رمزية عالية ، ونحن اليوم أمام آراء كثيرة ، وكلٌ يرى أنه على حق ، هذا هو الفيلم .. الحب و الملجأ والعودة إلى الوطن لأنه هو الملجأ الأخير في النهاية مهما حدث.
ـ ما رهانك على الفيلم ؟
هو ليس من الأفلام الجماهيرية وإنما النخبوية إلى حد ما ، فالأفلام المصوّرة ضمن مكان واحد ليست أفلام شباك ، ولكن نقدم في الفيلم وجهة نظر واضحة وصريحة مما يحدث.
التاريخ: الأربعاء 24-4-2019
الرقم: 16963