في حملته الانتخابية، ردد دونالد ترامب الكثير من الشعارات التي تتصل مباشرة بالاقتصاد، وبأهمية استعادة الولايات المتحدة قوتها ومكانتها، حتى إن القراءات السياسية للافتة «أميركا أولاً» ذهبت إلى تَوقع انتهاج سياسة خارجية تكاد تكون أولويتها الانسحاب من ملفات، والتراجع في مسارات مُتعددة عسكرية وسياسية، بمقابل الالتفات إلى قضايا داخلية، تُرجمت مباشرة بإلغاء قوانين أبرزها ما عُرف بقانون أوباما كير.
من بعد الانسحاب الأميركي من معاهدات واتفاقيات دولية، مَيزت السنة الأولى من ولاية ترامب، ومن بعد الاستغراق بالحرب التجارية الاقتصادية – السنة الثانية من ولاية ترامب – التي فجرتها مسألة الرسوم الجمركية، وظهرت مُرتسماتها الخلافية الكبرى حتى مع الحلفاء – قمة أوتاوا – تأتي حزم العقوبات الأميركية المتعاقبة ضد روسيا والصين وإيران لتؤكد عمق الأزمة الذاتية الأميركية.
السؤال المطروح اليوم: لماذا الحرب الاقتصادية على سورية، إيران، روسيا، الصين، فنزويلا.. وقوى دولية أخرى؟ هل لأن التدخلات العسكرية المُباشرة أم بالإنابة فشلت؟ أم لأن الأزمة في أميركا حقيقية وعميقة؟ وهل ما يقوم به ترامب هو انقلاب على سياسات سابقيه وتَرجمة لمذهب آخر في القيادة تَحتاجه أميركا؟ أم هو مُخطط له لا انحرافات فيه وإنما بدا فَجاً وصادماً بسبب المُباشرة وتَسارع الخطى بتنفيذه؟.
يُعتقد أن الحقيقة الكاملة تَكمن في الإجابة الموضوعية عن جميع هذه التساؤلات مُجتمعة لا مُنفردة، إذ لا يمكن الفصل بينها، كما لا يمكن الفصل بين الأحداث والتطورات التي جعلت طرح هذه التساؤلات أمراً مَشروعاً، فالولايات المتحدة بسياساتها – تاريخياً – كانت على الدوام تُقدم مَزيجاً من استخدام أدوات الحرب والعدوان العسكرية والاقتصادية، بل إنها لم تَتَخلف يوماً باستهدافاتها المباشرة للدول والشعوب عن استخدام كل ما من شأنه أن يجعلها تُحقق غاياتها في الهيمنة، بالحرب الناعمة أم بالخشنة، أم بهما.
ما يؤكد هذا المذهب في القراءة والتحليل، التناقضُ الكامن في السياسة الأميركية الحالية – مع إدارة ترامب – ذلك أنه لو كان ثمة مُؤشرات تُرجح الانسحاب من مَسارات الحروب والتدخلات العسكرية العدوانية المباشرة – بجيوشها أصالة عن نفسها، أم بالعملاء والتابعين والأذرع الإرهابية وكالة عنها – لمَصلحة الحروب الاقتصادية باعتماد سلاح العقوبات والحظر، فلماذا إذاً تَعتمد الولايات المتحدة أضخم موازنة عسكرية في تاريخها تصل إلى 700 مليار دولار؟.
الإخفاقُ الذي يُلاحق الولايات المتحدة وتُمنى به حروبها ومُخططاتها العدوانية، والخيبةُ التي تَحصدها، بل التَّراكم الحاصل المُتشكل من الخيبات والإخفاقات هو الذي راحَ يُظهر على نحو واضح أزمة أميركا العميقة، التي يبدو المَخرج الوحيد منها، التصالح مع الواقع الذي يَقوم على ركيزتين أساسيتين؛ أولهما تَخلي واشنطن عن سياسات البلطجة وعن أهدافها بالهيمنة، والثانية التَّسليم بأن العالم لن يَسمح، وسيُعظم مُقاومته لها، وسيَنتصر في نهاية المَطاف. صمودُ سورية وانتصارها مثال ستَتكرر حالته هنا وهناك، ومع حتمية التكرار التي تُنتج التراكمات ربما ستَجد أميركا نفسها في مكان آخر.
علي نصر الله
التاريخ: الأثنين 29-4-2019
رقم العدد : 16966