لم يغلق باب المعهد المهني للمعوقين بدمشق أبوابه حتى في أشد ظروف الحرب الإرهابية على سورية فقد استمر في تقديم خدماته بشكل يتناسب مع الظروف الجديدة وهو الذي تأسس منذ عام 1971 ليقدم خدماته في التعليم المهني ( حرف مختلفة) للأشخاص ذوي الإعاقة الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 30 سنة بهدف تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع ،هو اليوم مفتوح أمام جميع المصابين والجرحى مهما كانت نوع الإصابة الحركية التي يعانون منها.
وبين الدكتور محمد هادي مشهدية مدير المعهد المهني للمعوقين في دمشق أن اهتمام المعهد بشريحة الجرحى بدأ منذ عام 2014 كنوع من رد الجميل لأشخاص قدموا الكثير لكي تبقى سورية بخير ، إضافة لاهتمامه بإعادة الطلاب إلى المعهد خاصة بعد أن تراجع عددهم خلال السنوات الأولى من الحرب، مشيرا أن العدد وصل في عام 2015 إلى 60 طالبا ليزداد بعدها إلى 82 طالبا، وفقا للنظام الداخلي للمعهد الذي لا يزال يستقبل الإعاقات الحركية ضمن فصلين دراسيين يبدأ التسجيل عليهما مع بداية الشهر السابع من كل عام.
رسالة المشروع
أما عن مشروع «أبطال من تحت الركام»، أكد مشهدية: إن المشروع يخدم ذوي الاحتياجات الخاصة، المصابين خلال سنوات الحرب من خلال تقديم الدعم النفسي والرياضي والبدني والترفيهي لهم، ضمن ثقافة اجتماعية تساهم بخلق حافز لهم ليتقدموا ويتجاوزوا الصعوبات التي يتعرضون لها، ومن خلال توفير فرص إعادتهم إلى الحياة الطبيعية وإمكانية الإنتاج، فالمشروع يخدم مصابي الحرب من المحافظات كافة ، وقد استطاعوا خلال الفترة السابقة استقطاب عدد لا بأس به من الزملاء الجرحى في الصالة الرياضية مؤكدا : أن هذا العمل نشاط داخلي جميل من قبل عدد من المؤسسين، وأحد الأفكار الكثيرة التي كانت مطروحة مثل: فكرة مكملين وفكرة أبطال من تحت الركام وفكرة سوا وفكرة نحن هنا، وفكرة واقفين وغيرها… وهي مبادرة لكل شخص جريح يجد لديه القدرة بالقيام بنشاط رياضي معين أو يرغب بتعلم مهنة من المهن الموجودة في المعهد، ومساعدته لدخول سوق العمل عن طريق التشبيك مع مركز الإرشاد الوظيفي الذي يتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
في زيارة المعهد
بالتزامن مع زيارتنا للصالة الرياضية للمعهد كان هناك زيارة ميدانية لجرحى ومصابي الجيش العربي السوري من حمص في جولة اطلاعية على المشروع، وما يقدمه من أنشطة وفعاليات، فقد قام مجموعة من جرحى أبطال جيشنا الباسل وعددهم 65 جريحا بالإضافة إلى 20 متطوعا من محافظة حمص بزيارة المعهد لمتابعة العروض الرياضية التي يقدمها الجرحى المستفيدون من خدمات المعهد. حول هذه الزيارة أفادنا الدكتور مشهدية: أنها جاءت نتيجة التواصل المستمر بينهم وبين الجرحى في جميع المحافظات، والدعوى لاستقبالهم في المعهد الذي يعتني بشكل كامل وصريح بالجرحى والإعاقة الحركية إن كانت ذات منشأ خلقي أو كانت ناتجة عن الأزمة.
مشيراً إلى تخصيص يومين هما الاثنين والخميس من كل أسبوع للراغبين بالتدريب في الصالة الرياضية من جرحى الجيش وذوي الإعاقة،حيث وصل عدد المستفيدين من الصالة الرياضية حتى هذه اللحظة حوالي 65 جريحاً و40 شخصاً إعاقات متنوعة. وهذه الزيارة، تشكل رسالة معنوية كبيرة لمن يرغب بزيارة المعهد ومشاهدة أن الإعاقة لا تمنع متابعة الحياة بشكل طبيعي، أو التدريب المهني وتعلم الحرفة ما.
مبادرات شخصية
شادي علي مدرب بالصالة الرياضية وعضو في مؤسسة أبطال من تحت الركام «مكملين» قدم للثورة فكرة كاملة حول هذا المشروع مبينا أن المؤسسة لا تزال قيد الإنشاء وهو مشروع لجرحى الحرب يتضمن التأهيل والدعم النفسي لذوي الإعاقة من المدنيين والعسكريين وبالإضافة لجرحى الحرب والمصابين، كانت البداية منذ أربع سنوات ضمن مبادرات شخصية شملت مجموعة من الجرحى وذوي الإعاقة القديمة أو حديثي الإصابة والأسوياء، وحاليا وصل عدد المشاركين بشكل دائم في الصالة إلى 30 جريحاً 25 منهم حققوا بطولات ومراكز على مستوى الجمهورية، مشيرا إلى أن المشروع لا يهتم بالرياضة فقط فهناك الجانب الثقافي والفني والتأهيل والتدريب على مهنة معينة لكي يكون لديهم فرصة عمل بالمستقبل لمن يرغب بها.
أهداف متعددة
وأكد علي: أن الهدف الأكبر من خلال وجودنا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وضمن المعهد هو استقطاب الجريح وتسجيله بالصالة الرياضية وتوجيهه نحو ما يقدمه المعهد من خدمات التدريب على المهن لكي يسجل في حرفة من الحرف الموجودة ويستمروا في تفاعلهم مع المجتمع كما كانوا قبل الإصابة،فهناك العديد من الحرف مثل الخياطة والتريكو والأعمال اليدوية والكمبيوتر والنجارة والكهرباء والإلكترونيات والخدمات الرياضية، إذ إن الهدف الأسمى للمشروع: الخروج من الركام النفسي الذي يعيشه المصاب وتحقيق ذاته لينهض من جديد،مبينا أن فترة التمرين يومان في الأسبوع وقد تمتد لعدة أيام، خاصة وأن هناك الكثير من الجرحى المنتسبين لصالحه حققوا مراكز أولى بالبطولة في اللاذقية ،وهناك حالات صعبة مثل شلل رباعي وكانوا غير قادرين على تحريك أيديهم وبفضل ألله هم الآن أبطال بلعبة تنس الطاولة، ومنهم من يتابع دراسته وتأهيله البدني والنفسي معا.
رحلة ترفيهية اطلاعية
بالعودة مع شادي علي وإلى دواعي وأهمية زيارة جرحى حمص إلى الصالة أوضح بأنها جزء من برنامج رحلة ترفيهية اطلاعية اتفقوا على القيام بها للتعرف لما وصل إليه مشروع أبطال من تحت الركام، ولزيارة المتحف التراثي بالميدان وكذلك نادي الضباط في دمشق، لها أهميتها في تقديم الدعم النفسي والتأهيل البدني والرياضي من خلال ما يرونه من أبطال موجودين في الصالة وما حققوه من انجازات كبيرة خرجوا من خلالها إلى بطولات على مستوى الجمهورية والمستوى الإقليمي بعد أن كانوا في منازلهم، وهي رسالة للجرحى في جميع المحافظات للمشاركة في مثل هذه المبادرات.
ما بعد العلاج الجسدي
أثبتت تجربته الطويلة في ممارسة الرياضة منذ 25 سنة وحتى الآن على الرغم من كونه معوقاً منذ الطفولة، على أنه أكثر شخص لديه طاقة كبيرة هو الشخص المعوق هذا ما تحدث عنه أحمد عطايا مدرب رياضة في صالة المعهد المهني للمعوقين في دمشق وأحد المؤسسين لمشروع أبطال من تحت الركام، مبينا: أن المعوق هو نفسه لا يعرف أن لديه هذه الطاقة وخمسون بالمائة من الناس لا يعرفون أن المعوق يمكن أن يحقق هذه الانجازات، مشيرا إلى أن الحرب تسببت في وجود عدد كبير من الإصابات، وهذا الأمر يحتاج إلى طاقات كبيرة وتوجيه وتدريب، والمشروع يتوجه إلى الأشخاص بعد انتهائهم من العلاج الفيزيائي والجسدي، حيث يقدم لهم الدعم النفسي والرياضي والاجتماعي فتتشكل لديهم بنية جسدية قوية تمكنهم من المشاركة في البطولات، فالطموح هو الوصول إلى أبعد ضيعة وأقصى مكان في سورية.
دحرا للإعاقة
محمد عبيد مصاب حرب، تعرض لطلق قناصة تسبب له في أذية منطقة النخاع الشوكي عندما كان يؤدي واجبه العسكري في منطقة حماه وتم إسعافه إلى مشفى السلمية ومنه إلى مشفى تشرين العسكري بدمشق لإجراء عملية تثبيت فقرات الظهر، يبين عبيد: أن قدومه إلى الصالة الرياضية لمشروع أبطال من تحت الركام كان صدفة، لكنه حصل على فائدة كبيرة، حيث تمكن خلال فترة قصيرة من تحريك بعض المفاصل من جسمه بحركات كان يعتقد بأنه لن يستطيع القيام بها أبدا، يعمل حاليا على تقوية جميع جسده لكونه أصبح متمكناً من لعبة الريشة والسلة، مشيرا إلى أن اكبر صعوبة واجهته هي عدم وجود وسيلة نقل تساعده من الوصول إلى الصالة، لحين أن قدم له كرسي كهربائي من قبل احدى الجهات الداعمة.
بهاء نسيب حيدر مصاب مدني كانت إصابته نتيجة تفجير إرهابي عندما كان في أحد سرافيس النقل في مساكن الحرس، وعليه تم بتر الطرفين تحت الركبة منذ عام 2012 وحاليا يستخدم الأطراف الصناعية، تحدث عن تجربته مع مبادرة أبطال من تحت الركام مبينا أنه أصبح يسير دون استخدام العكاز نتيجة التأهيل والمعالجة الفيزيائية، ومداومته على لعب الريشة، والسلة، يقول: تعرفت على المبادرة من خلال الكابتن هيفاء في مشفى ابن النفيس، وفي البداية اخترت لعبة الريشة على الوقوف، ولكن أطرافي لم تساعدني في ذلك فانتقلت إلى حالة الريشة على الجلوس وشاركت بعدة بطولات كان آخرها على مستوى الجمهورية حصلت من خلالها على المرتبة الثالثة، لم استسلم للإصابة وبعد ثلاثة أشهر من الإصابة ركبت الأطراف الصناعية، وانتسبت إلى فريق أبطال من تحت الركام.
الحاجة إلى وسائل نقل
الجميع لديهم رغبة في الانتساب إلى هذا المشروع لكنهم لا يستطيعون الوصول إلى المكان بسبب صعوبة المواصلات بالنسبة إليهم، وعدم توفر الإمكانيات المادية لاستئجار سيارة خاصة تنقلهم إلى الصالة، وهي المشكلة التي تحدث جميع من ينتسب إلى هذا المشروع الحيوي، في إشارة أن هناك الكثير من المعارف والأصدقاء وأخوة السلاح الجرحى الذين تمنوا الانتساب إلى المعهد ولكن عدم توفر المواصلات كان هو المانع الوحيد، وخاصة أن هناك مناطق فيها نسبة مصابين كبير جدا وهم بالفعل بحاجة لمثل هذه المبادرات.
ميساء الجردي
التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972