يفرض المنهج في البحث والتحليل حضوره ذهاباً وإياباً بينما يتصل الأمر بالتفاعل مع نسق العدوانات الأميركية التي مازالت تتكرر وتتطور في استهداف واضح للوجود العربي بكامله، وهو وجود معاد في البرنامج والاستراتيجيات الأميركية، وهنا تؤكد القاعدة الأساس بأن الإرهاب بكل مستوياته وتطبيقاته هو من أميركا وهو اختصاص فاضح لأميركا، وها هي اللحظة الراهنة وقد سيطرت عليها حالة الغموض إلى حدود الفشل في أي فاعلية سياسية تشهد هذا السلوك الأميركي كما يقوده ويعبر عنه دونالد ترامب، ولعل هذه الانقلابات والانسحابات من الاتفاقات والمواثيق المبرمة مع دول العالم تؤكد بأن الإدارة الأميركية تؤسس لمرحلة مستجدة وليست جديدة، أساسها يتوزع في محورين اثنين، يتمثل الأول منهما في خلق مناخ الاضطراب ولاسيما في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وكذلك في سحب كل عوامل الحوار ولو في الحد الأدنى من التداول ولاسيما أن أميركا وقعت على الصيغ التنظيمية والملزمة لهذه الاتفاقات كما هو الشأن في قضية الملف النووي مع إيران، وكذلك الانسحاب من معاهدة تخفيض السلاح مع روسيا سواء في أوروبا حتى الشرق المحاذي لروسيا أم في القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في كل مكان من الدنيا ، وهذا المنهج الأميركي واضح تماماً بأنه تمهيد لإنتاج طور متفاقم ومفتوح على كل الاحتمالات وفي عمقها احتمال الحرب المدمرة، وهنا يأتي المحور الثاني الذي سعت إليه واشنطن وبموجبه تمت هذه الحالة المتفجرة والمتفلتة من كل الضوابط، عبر إرسال قطع السلاح الاستراتيجي لتجوب وتستقر في المياه الدافئة سواء في البحر الأبيض المتوسط أم في الخليج العربي أم في بحر العرب وبالقرب من الممرات المائية كمضيق هرمز ومضيق بابا المندب، وكل هذا الهيجان الأميركي إنما يعتمد على التهديد بالقوة والتمهيد لاستخدام هذه القوة العسكرية إن كان إلى ذلك سبيلاً يحقق المصلحة الأميركية بصورة عامة، وهنا لا بد من التركيز على الجذور والعوامل المؤسسة بالأصل وعلى امتداد تاريخ أميركا وسجلها الحياتي بأن العدوان هو جذر متأصل في السياسة الأميركية، بما يتماهى إلى الجذر العدواني في الكيان الصهيوني، وأن كل ما يجري مع كل مرحلة هو باستمرار في البحث عن خلق الذرائع وافتعال الأسباب، والنفخ فيها إلى درجة الهذيان وملامسة الانفجار.
والمسألة الآن تتصل بالمشروع الأميركي ضد إيران الشقيقة وفي عمقه الدور الأميركي في الإرهاب وفي هذه النزعة من خلال صفقة القرن والوجود العسكري وجود سياسي والإرهاب في المحصلة هو من أميركا وهو لأميركا في سياق واحد، أي العدوان لأميركا ومنها، وأن أميركا السياسة والأداء في العمق وفي الأفق هي للإرهاب ومنه، والتعديلات التي تنتاب هذه العلاقة هي تشبه تلك التعديلات التي تقتضيها الضرورة عادة مابين الكيان الصهيوني والسياسة الأميركية والمشهدية الراهنة في الشمال السوري وفي ادلب وفي شرق الفرات وفي منطقة التنف إنما تؤكد بكل مافيها من مواقع جغرافية وأهداف سياسية وأنشطة عسكرية أن هذه العلاقة الأميركية الإرهابية هي جسر الحقيقة الممتد من واشنطن إلى جبهة النصرة؟
2- إن المنهج السياسي والعسكري والتطبيقي يمثل في هذه المرحلة الناتج الطبيعي والمعادل لحقائق العلاقة ما بين أميركا وتنظيمات الإرهاب، ومن هنا رأينا ومازلنا نتابع هذه الحالة من الهيجان الإرهابي في الشمال السوري والأميركي في بحار العالم وجغرافياته المتعددة، وهاهي حاملات الطائرات الأميركية والسفن الحربية والمدمرات تتوافد على المكشوف إلى البحر الأبيض المتوسط وإلى الخليج العربي وتقترب من الممرات الاستراتيجية ولا سيما باب المندب ومضيق هرمز ويتلازم ذلك مع هيجان تابع آخر تؤديه ببلادة هذه الأنظمة في الخليج العربي وفي مقدمة ذلك آل سعود في الجزيرة العربية والنظام التركي الذي اغتصبه رجب طيب أردوغان لإنجاز مهمة المشروع الأميركي بصورة عامة وتطبيقات هذا المشروع في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا
3- تدرك الولايات المتحدة الأميركية بأن هناك تحولات نوعية كبرى قد حدثت في مواجهة مشروعها الإرهابي في كل من سورية والعراق، وتدرك بصورة أساسية ما أنجزته هذه التحولات من مديات تقع في صلب التصدي للمشروع الأميركي ولا سيما عبر التحالف الطبيعي والضروري مع دولة إيران الإسلامية ومع الأصدقاء في روسيا الاتحادية وما توضع من هذا الاتجاه وفي العمق منه هذا الوجود الحي والمتنامي لقوى المقاومة الممتدة من سورية الى لبنان إلى فلسطين، وما يستتبع هذه التحولات من إنجاز مسارات الرد الموحد على المشروع الأميركي الإرهابي سواء في الميادن العسكرية أم في الاقتصاد أم في محافل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا الإدراك الأميركي لايدفع بالسياسة الأميركية الترامبية إلى أي اعتبار ولا إلى مراجعة نقدية، لأن المنهج الأميركي في العداء للعرب وفي التماهي مع الإرهاب هو متن وحاشية السياسات الأميركية منذ أن وجدت أميركا وحتى الآن ولقد أضافت وأضفت كاريزما دونالد ترامب مسحة تزينية فارغة بالدخول إلى العالم بطريقة التآمر والتخوين.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976