حفل الأدب الروسي بألوان الإبداع كافة، وكان إنساني النزعة، ملتزماً بهموم الانسان وفي هذا الإطار يمكن الوقوف عند عشرات االأسماء التي أثرت الأدب العالمي، والجيل الجديد في روسيا يتابع خطا السابقين جديدهم ينقله إلى العربية.
جديد الدكتور هزوان الوز ضمن «المشروع الوطني للترجمة» وقد جاء تحت عنوان نصوص قصصية بعنوان (أزهار الأقحوان… قصص من الأدب الروسي المعاصر)، ترجمة: د.هزوان الوز، لوحة الغلاف: الفنان شفيق اشتي.., صادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2019 ب 238 صفحة من القطع المتوسط.
يتضمن الكتاب ثماني قصص تحت عناوين مختلفة نذكر منها (مندرين – طرفة عادية – أنت قادر – الفكر غير ممكن…الخ) وفيها يتعرف القارئ إلى عوالم إنسانية روسية المرجع والدلالة، فهي على المستوى الأول صور عالية الدقة أو تكاد تكون كذلك عن المجتمع الروسي في السنوات الأخيرة من القرن الفائت ومن هذا القرن، وهي على المستوى الثاني تعني هذا المجتمع كما خرج من عباءة الاتحاد السوفييتي وكما هو في راهنه، وعلى نحو دال على تعبير هذه النصوص عن بشر يزدحمون برهافتهم الإنسانية العميقة مهما يكن من أمر كونهم ينتمون إلى عالم مغاير للقيم التي نشأت عليها المجتمعات العربية.
وكتب د.الوز أن الأدب الروسي كان على الرغم مما لحق به من أذى النفي،واحداً من أكثر الآداب العالمية تأثيراً في نفوس القراء في بلدان متعددة،نظراً لما يحتويه من تنوع في سرد القصص أو الروايات التي تأثرت بالوضع الاجتماعي في روسيا القديمة، فظهرت الأعمال الشعرية والنثرية والمسرحية في القرن التاسع عشر الميلادي،ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى بعض الادباء العمالقة والمؤسسين لهذا الأدب، الذي وصل معظم نتاجهم إلى اصقاع مختلفة مترجماً بغير لغة،فإذا ماسمع المرء عبارة الأدب الروسي تبادر إلى ذهنه تلك الكلاسيكيات المجيدة،أعمال تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف… وغيرهم
غير أن حضور هذا الأدب سريعاً بدأ بالذبول بسبب غير عامل،ليس في مقدمتها ما أشير إليه آنفاً،ومن تلك العوامل أن ثمة توهماً طارد المعنيين بالترجمة هو أن روسيا ولاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي لم تنتج أدباء على النحو الذي قدمته في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين،وإلى حد ما حتى نهاية السبعينات من القرن الفائت،ولذلك فإن ترجمة الجديد من الأدب الروسي محضُ حراثة في الهواء على غير مستوى،غير أن الأمر ليس كذلك فثمة منجز إبداعي لغير أديب وأديبة بالطبع من أبناء روسيا، ليس جديرة بالقراءة فحسب،بل أيضاً بالترجمة إلى غير لغة من جهة،وبالخلود في ذاكرة الأدب من جهة ثانية.
ويضيف إذا كان ثمة ما يمكن قوله أخيراً فهو ما تقوله هذه النصوص نفسها، وما يمكن أن يقدم معرفة عن تطور الكتابة القصصية في روسيا وعن تحولاتها ومغامراتها بآن، وهو ما تطمح إليه هذه الترجمات لها، أعني أن تضيء جانبين: اجتماعي وفني.
ومن قصة (الحمامة البريدية) نقرأ: على أبواب شهر آذار سطعت الشمس بضياء كبير ومجنون، وبدأت تتساقط دموع النوازل المطرية المتجمّدة،ولكن هنا في الشّقّة رقم (15) حيث تفوح روائح الأغراض القديمة،وتتوضع الرفوف أواني مصنوعة من الكريستال،كان خريف أبديُّ.
العجوز كانت أشبه بنبتة الهدباء الضعيفة التي ستقع عند أول ريح تواجهها،هي في عقدها التاسع،شعرها قليل ناعم أشبه بالزغب،تحاول بيدها توجيهه وتمسيده،ولكن شعرة واحدة فوضوية فوق أذنها اليمنى تشاكس،مايجعل الشكل الخارجي للعجوز يبدو كأنها ذات أفكار سطحية.
في الختام: (أزهار الأقحوان) كتاب حمل نماذج قصصية لافتة توشحت بجوانب عديدة أهمها الصدق الذي وصل إلى قلوبنا… بالإضافة إلى أنها عرّفت بتطور الكتابة القصصية في روسيا…. ترجمها د.الوز ونقلها بحرفية عالية،فتفاعل القارئ مع تنهدات الحرف،وبلاغة الكلمات،فباتت بحق تستحق الوقوف عندها وقراءة تفاصيلها.
دائرة الثقافة
التاريخ: الأربعاء 15-5-2019
الرقم: 16978