تقول «لطالما أخبرتني جدتي أن الأوراق النقدية تحفظ رائحة من يمسكها وتسعد عندما يطلقها وتكره من يجعلها حبيسة في كوم وربطات وأكداس، هي تحب من يعتني بها، يرتق جراحاتها، لها جراح مثلنا نرتقها فترتقنا، تسد جوعها فتسد جوعنا، رائحة الشوكولا تدهم الذاكرة..»
من قصتها «شوكولا.. طحين» توقظ فينا الأديبة ديمة داوودي جراحا لما تندمل بعد، فطعم الموت لايزال يستقر في حنايا الروح، وقد فعلت الحرب فعلها في النفوس، تجرعها الكبار لكن الأطفال كانوا الوقود والنار «تخبرهن إحدى القادمات من البعيد أنها رأت طفلا يضحك وهو جائع، نعم لقد كان يتنشق غلاف شوكولا عرفها قبل سنوات..»
قدم المشاركون في الفعالية التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وقدمها محمد عيد الخربوطلي مجموعة من نتاجهم الشعري والقصصي وكانت البداية مع الشاعرة هناء داوودي التي ذهبت بنا في عوالم الحب والوهم والخيانة، وهي تبحث في عوالمها تلك عن لحظة صدق تنجيها من عبث الأقدار تقول في نص بعنوان «خيانة»:
كل الأشياء خانتني، سريري الخشبي
الذي ضاق بي فجأة
الوطن الذي علقته مذ زمن على حبل الأمنيات
ولم تجف دماؤه أخي الذي حرمني العناق
بعدما عاد من الحرب بذراعين مبتورتين
صديقي الشهيد الذي غادر نعشه
وتحول إلى حمامة
ورغم قسوتها فلايزال في الحياة مايستحق أن نعيش لأجله، ولكن السؤال الأزلي الذي يحاول القاص عبد الله نفاخ أن يطرحه: لم يتحول بعض البشر إلى وحوش آدمية، ويحولون القوانين العادلة إلى شريعة غاب لاتعرف إلا الدمار والخراب، يقول في قصته «ماتزال حية»: على درب نجاحه، تنكر له كثيرون بمطارقهم، هشموا رأسه المعبأ بالأمل، هرب إلى عالم آخر من زجاج، عالم له راح يحطمه بيديه قائلا، إن حطمت نفسي فذلك خير من أن يحطمني غيري.
وعلى شاطىء الخراب، مايزال يمر الناس بعينين جاحظتين، لروح رأت الموت.. لكنها ماتزال حية.
ويلوذ مفيد عبدون بالأسلوب الساخر عل ذلك يطفىء مايعانيه من تشرذم المجتمع ومايسود فيه من عادات بدأت تعيث فسادا وتنثر بذور الحقد بين أبناء الجلدة الواحدة يقول في قصيدته «علمانيون»:
أولم الشيخ لأعيان العشيرة، وبعدما صلوا جماعة أصدروا بيانا جاء فيه:
لا للعشائرية، لا للعائلية،
لا للطائفية، نعم للدولة العلمانية
الديمقراطية بقيادة شيخنا
ومن مشاركة عصام مسالمة نقتطف:
أعيدي لي فصول السنة
ثم لملمي عمري
واتركيني على حافة الكف
كي أصنع قهوتي
من بعض الجراح
ولاتنسي أن قلبي المهزوم
مازال يحبك
ويشي عنوانها بذاك القدر من الألم والحزن فقد كتبت سمر كلاس قصتها بعنوان «لا أحد يحبني» وتقول: «لاأحد يحبني، الكراهية تملؤني، أصرخ بملء صوتي، أكرهكم جميعا، كل متسلط سينال عقابه، سأقضي عليكم، يطرحني الرجل الضخم أرضا ويركلني في وجهي، أسقط في غيبوبة، أغمض عيني وأشعل ضوء الروح، أتكور على نفسي، يصفعني الماء يوقظني ويردد الرجل الملتحي، نحن ملائكة الله، كتلة من مشاعر دافئة، تنقذ البشرية منكم أيها الكفرة، ننفذ فيكم أحكام الله، لانريد خنازير كفرة ولا زنادق لاتحبنا ولاتحب الله..»
مشاركات لافتة لأدباء شباب خبروا معنى أن تتكالب قوى الشر على وطنهم، وكيف تفعل الكلمة فعل الرصاصة، فامتطوا أقلامهم يوثقون في سفره تاريخ هؤلاء الطغاة وكيف كان جيشنا العربي السوري لهم بالمرصاد، وآمنوا أنه مهما شاب المجتمع من أخطاء وعاث به البعض فسادا، فلابد أن تنقشع سحبهم ويعود للوطن ألقه، وبالحب وحده ترتقي الأوطان وتزهر.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الاثنين 20-5-2019
رقم العدد : 16981
التالي