الحكم على الفن

ملحق ثقافي:

وفقاً لتعريف الكلمة الأساسي، فإن الفنان هو ببساطة شخص يصنع الفن. الفن شخصي، وبالتالي، لا يمكن قياسه بأهميته أو مستوى مهارته. طبيعته الذاتية تجعله غير قابل للحكم عليه حكماً نهائياً.
كيف يمكننا الحكم على الفن، فعلاً؟ لا يوجد شيء جازم حول هذا الموضوع. الفن الجيد يتفوق من حيث المعنى المطلق. إنه مثير للجدل بطبيعته. يمكن أن يعني الفن الجيد شيئاً مختلفاً للجميع، أو إثارة نقاش أبدي أو مجرد اتفاق على عدم الاتفاق. لا أعتقد فقط أن الفن الجيد يمكن أن يسبب مشاكل؛ بل يمكنه أن يحلها. الفن الجيد لديه القدرة على الإلهام والاستفزاز في الوقت نفسه. الفن الجيد معدٍ. كما أن لديه القدرة على تشتيت المشاهد، وزيادة تركيزه في الآن معاً. 
لا يمكن الترويج أو قبول الفن السيئ، ولا يجب أن نعتبره لوهلة قضية قابلة للنقاش.

هناك شعور معين يعترينا عندما نواجه فناً جيداً. هو شعور يصيبنا عندما نشاهد فيلماً، أو نسمع أغنية، أو نقرأ كتاباً، أو نشاهد لوحة، أو نشم رائحة، أو نتذوق طبقاً، أو نلمس منحوتة. إنه هذا الفن يجعلك تشعر بأن كل شيء في عالمك يغرق، وبينما ينبغي أن يكون رد فعلك العادي هو محاولة السباحة، فإن غريزتك تخبرك بأن تغرق في هذا الفن. هذا الشعور يأتيك يخبرك بأن حياتك كلها قد تغيرت للتو، حتى لو كان تغييراً طفيفاً، حتى لو كان لثانية واحدة فقط.
هذا هو الفن الجيد. وهذه هي المشاعر التي تعتريك وأنت تشاهده أو تلمسه أو تسمعه.
لا أعتقد أننا قادرون جميعاً على خلق الفن، بل أعتقد أننا قادرون جميعاً على الاستمتاع بفن جيد. وهذا هو جمال الفن. الفن يمكن أن يكون أي شيء. 
يبدو أن الكثير من الأشخاص لديهم خوف غير منطقي من خلق شيء جديد وأصلي حقاً. وهذا ناتج عن شعور التحدي المتمثل في الحفر العميق وإنتاج شيء لم يسبق له مثيل من قبل.
ما الذي يجعل الفن ذا قيمة، ومن أين تنشأ هذه القيمة؟ ما الذي يجعل هذه اللوحة أو الأغنية أو الفيلم له صدى في نفسي أو في نفس أي شخص آخر؟ ما الذي يجعل شيئاً ما أصنعه ذا قيمة بالنسبة إلي؟ – وهل تزيد هذه القيمة إذا كان فني يؤثر على الآخرين بنفس الطريقة؟ أم أن تقديري الوحيد يكفي لجعله كبيراً؟
توجد الكثير من الأعمال الفنية حولنا، إلا أن هناك قسماً كبيراً منها لم يدخل إلى حيز تفكيري أو شعوري. ومن هنا يمكنني أن أفكر في القيمة الفنية لهذه الأعمال التي لم تلامس كثير من الناس، ولم تحرك فيهم شيئاً.
الفن غالباً ما يكون تعبيراً عن عواطفنا، لكنه لا يقتصر على ذلك. يتيح لنا إنشاء الفن أن نعبر عن أفكارنا ومخاوفنا ورغباتنا – أن نرمي شخصياتنا حرفياً تقريباً على لوحة قماشية. لذلك، يوفر لنا الفن متنفساً لحزننا المتضخم، غضبنا المؤقت، تفكيرنا بالتمني، سعادتنا المكتشفة حديثاً.
يمكن أن يكون للفن معنى حرفي ملموس للغاية، فكلما كان العمل الفني أكثر تمثيلاً، كان من السهل إسناد معنى إليه. الجميع يفهم تمثيلات واقعية لأشياء من واقع الحياة – على سبيل المثال، رسومات الأشجار – عند النظر إلى واحدة، يمكنك القول «إنها لوحة من الأشجار، والأشجار جميلة للنظر إليها – هذا هو الغرض الواضح لهذا الفن؛ لا لغز هناك».
لهذا السبب يميل الفن التجريدي البحت إلى جذب جمهور أقل. من الشائع أن ترغب في معرفة ما تنظر إليه حتى تتمكن من وضع معنى حرفي عليه. لكن الفن، حتى الفن الذي هو واضح إلى حد ما في موضوعه، له معنى أكبر وأعمق يتجاوز الحرفي.
هذا المعنى الأكبر والأعمق ليس فكرياً في الطبيعة – إنه عاطفي. كل ما تحتاجه من أجل الحصول على الفن هو النظر إليه وتصبح مفتوناً أو متحمساً أو متأثراً أو معجباً أو محفزاً بطريقة ما. كل ما تحتاجه هو أن تشعر باتصال مع الفن.
يشعر معظم الناس بالاتصال عند النظر إلى الفن -ليس كل الفن بالطبع، ولكن الفن الذي يروق لهم شخصياً بشكل خاص- قد يكون التعبير عن هذا الشعور بالكلمات أمراً صعباً في بعض الأحيان.
إذا نظرت إلى قطعة فنية ولم تشعر بأي شيء، فكل ما يعنيه هذا هو أن هذه القطعة الفنية ليست مخصصة لك. إذا نظرت إلى ما يكفي من الفن، فسوف تتعلم ما تحب وما له معنى أكبر بالنسبة إليك.
لكن كيف ينطبق كل هذا على الحياة الحقيقية؟ ما هي الفائدة؟ بمجرد النظر بشكل مكثف إلى الفن، فإن المرء سيدرك ماذا يريد، وما الذي يؤثر فيه، وهكذا يمكنه الاختيار وتحديد نوع الفن الذي يحبه ويؤثره على غيره.
المهم هو معرفة ما تحب حقاً. إذا كنت تدرك أن ظلاً معيناً من اللون الأحمر يجعلك سعيداً ونشطاً، فإن الاختيار الواعي لوضع شيء من هذا اللون في غرفتك الخاصة التي تقضي فيها يومك، سيجعلك شخصاً أكثر سعادة ونشاطاً. عندما تشعر روحك بالثقل والحزن، يمكن للفن أن يساعد في انتشالك من ذلك. عندما تشعر بالغرق أو الضياع والإحباط المؤلم، فإن النظر إلى الفن يمكن أن يعيدك إلى نفسك ويساعدك على الاستمرار. 
للفن عدد لا يحصى من الاستخدامات: يستخدم كأداة للشفاء النفسي، ورمز في الطقوس الروحية، وقوة دافعة للتغيير السياسي أو الاجتماعي، وتعبير عن التساؤل، وشكل من أشكال الترفيه، ودليل على الحالة أو الهوية، والاحتفال بالجمال.

 

التاريخ 21-5-2019
رقم العدد:16982

 

آخر الأخبار
ذكرى الكيماوي في الغوطتين.. جرح مفتوح وذاكرة عصيّة على النسيان قلب شجاع من تل أبيض ينال التكريم.. أبو عبدالله يثبت أن الإنسانية أقوى من المستحيل   مدير منطقة حارم يزور كلية الشرطة ويقدر جهودها في تخريج دفعة مكافحة المخدرات   بين الدخان واللهيب..  السوريون يكتبون ملحمة التضامن 6000 هكتار مساحة حرائق ريف حماة     طفولة بلا تعليم.. واقع الأطفال النازحين في سوريا   حلب تبحث عن موقعها في خارطة الصناعات الدوائية  الرئيس الشرع يصدر المرسوم 143 الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب مدير المخابز لـ"الثورة": نظام إشراف جديد ينهي عقوداً من الفساد والهدر زيادة غير مسبوقة لرواتب القضاة ومعاونيهم في سوريا  الشيباني يبحث مع نظيره اليوناني في أثينا العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة عاملة إغاثة تروي جهودها الإنسانية في سوريا ريف دمشق تستعيد مدارسها.. وتتهيأ للعودة إلى الحياة حماية التنوع الحيوي وتحسين سبل العيش للمجتمعات المحلية في البادية تحسين واقع الثروة الحيوانية في القنيطرة استئناف الصفقات الضخمة يفتح آفاقاً أوسع للمستثمرين في سوريا    اتوتستراد درعا- دمشق.. مصائد الموت تحصد الأرواح  تفريغ باخرة محملة بـ 2113 سيارة في مرفأ طرطوس وصول باخرة محملة بـ 7700 طن من القمح إلى مرفأ طرطوس تحميل باخرة جديدة بمادة الفوسفات في مرفأ طرطوس اليوم شوارع حلب بين خطة التطوير ومعاناة الأهالي اليومية