المفتاح

 

ملحق ثقافي ..نبوغ أسعد :

عندما وضعت المفتاح في قفل الباب لأفتحه، شعرت أنني أدور الكرة الأرضية على محورها إلى جهة يتغير فيها كل شيء.
تسمرت أصابعي وسحبت المفتاح ووضعت إحدى عيناي على الثقب لأرى ما في داخل المنزل، وكأنني أرى عالماً آخر غير الذي نعيشه اليوم، رغم أنني أعيش في هذه الحياة لا أفكر أبعد من أنفي..
دورة المفتاح في الباب تعني لي نسيان كل ما مر بي في هذا اليوم من عمل مرهق وأحداث يومية. تراءى لي أن الحياة داخل هذا الثقب تختلف تماماً. الناس يعيشون أيامهم طبيعية يذهبون إلى أعمالهم ويقومون بواجباتهم على أكمل وجه.. عيونهم المتعبة مفعمة بالحب والتفاؤل والآمال المشرقة المستقبلية والسعي إلى الأفضل في الارتقاء إلى المجد والشهرة. سباق مع الزمن نثبت فيه للعالم أننا الشعب الأفضل والأقوى، نعيش بأمان واستقرار، نرسل أطفالنا إلى المدارس دون خوف من أي مجهول، نتعانق مع هموم الحياة بكل شفافية ونفس راضية، نتلمس وجهها المشرق كأم تداعب وجنتي طفلها الصغير أو خصلات شعر ابنتها بحنان. نفرح فتتفتح أسارير الحياة لنا، ونحزن تشاركنا الطبيعة بهذا الحزن. ما أجمل أن نعيش كلنا أسرة واحدة متكاملة ومترابطة غير مفككة مع الأم التي أنجبت الأولاد على اختلاف ألوان بشرتهم وطباعهم، فالبطن بستان كما يقولون فيه من كل الأزهار والألوان. والأم تحب أولادها بنفس السوية، لا يعرفون الحقد والغيرة ويخاف أحدهم على الآخر أكثر من الخوف على نفسه. الحب يجعل الحياة أجمل ويعزز قوى الترابط بين الأهل والأخوة.
لقد كنت أنانيا حتى مع نفسي لأنني لم أفكر في ذلك أبداً، أما اليوم ومع هذا العالم المختلف، تغيرت كل الموازين، تلاشت القيم وتمزقت المبادئ وعمّ القتل والدمار والتشتت الفكري والأسري الذي ساد معظم دويلات العالم العربي والغربي. أصابع خفية أتت من المجهول لتقف وراء الستار وتحرك اللعبة كيفما تشاء تسحق من تريد وتترك من تريد تسير الأمور كما يحلو لها والبشر أمامها ليسوا إلا حشرات للسحق وإبادتهم صارت أمراً سهلاً، فقد نثرت لهم بعض نثرات السكر ووضعت فيها السم القاتل.
شعرت لأول مرة بالإحباط لهذا السقوط المدمر والإبادة العاجلة، وحزنت على ضياع تلك المكونات الجميلة وعلى تفكك الأسرى وعلى ضياع الأخوة في دروب الحياة الشائكة. احترق الحب وصار رماداً، وتطاير في الريح كأوراق محروقة. العالم كله يدور في فلك وهمي سابحاً في فضاء ملوث تاهت فيه كل المراكب. شعرت بضيق شديد وأحسست بأنني أختنق وبأنني بحاجة ماسة للبكاء لعله يغسل عن صدري بعضاً مما أحمله في أعماقي المحطمة اليائسة. ضاع الطريق وتاه الأفق وتعثرت الخطى نحو مستنقع الهاوية. لم يبق شيء على حاله وكأنني أرى حلماً أو أقرأ قصة خرافية من محض خيال.
أحسست بنحيبي ودموعي الساخنة تجري على وجنتي كما الشلال يتدفق من أعلى الجبال، فجأة شعرت بيد تربت على كتفي وصوت يقول بهدوء وحنان.. ما بك يا جار.. هل حدث مكروه لأحدكم لا سمح الله؟ وفقت على قدمي ونظرت في عينيه، حدقت بهما جيداً، وتلمست الخوف والحب داخلهما، وإشراقة أمل جعلتني أشعر أن الحياة مازالت مستمرة، والشمس سوف تشرق على بيتنا من جديد، وتنثر الدفء والحب، ويشع نورها على الكون كما يشع الحب من عيني جاري الذي أعادني إلى صلب الواقع، وكما سوف يزهر الربيع في بلادي مهما عبثت في أراضيه أنامل الحاقدين.

التاريخ: 25-6 -2019

رقم العدد : 17008

 

آخر الأخبار
عودة النازحين.. حين تتحوّل فرحة الرجوع إلى معركة يومية للنساء استقرار سوريا.. رهان إقليمي ودولي وتحديات مفتعلة إدلب تطلق مؤتمرها الاستثماري الأول.. فرص واعدة لبناء مستقبل مستقر الضربة الأمريكية لإيران... بين التكتيك العسكري والمأزق الاستراتيجي تحالف حاضنات ومسرعات الأعمال السورية "SAIA" لتحفيز الابتكار إيران تستهدف قاعدة العديد بقطر رداً على الهجوم الأميركي عقوبات أوروبية جديدة تطول خمسة أشخاص على صلة مباشرة برئيس النظام البائد وزير الداخلية يُعلن تفكيك خلية لتنظيم داعش متورطة بتفجير كنيسة مار إلياس محافظ إدلب يستقبل المفوض السامي للأمم المتحدة لبحث دعم اللاجئين اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي الفعاليات الثورية والمدنية بدرعا تأهيل المدارس بالتعاون مع "اليونيسكو" تفجير الكنيسة.. غايات الإرهاب تحطمها وحدة السوريين تعزيز الأمن السيبراني بالمؤسسات العامة وبناء الكفاءات الوطنية نقل الملكيات العقارية.. خطوة اقتصادية.. قيراطة لـ"الثورة": استئناف عمليات التسجيل بعد صدور التعليمات سلامة الغذاء في خطر .. إشارات سلبية جراء تفاقم انعدام الأمن الغذائي خبير اقتصادي للثورة: رافعة ضرورية لتحريك السوق الداخلية. الخطوط الحديدية تنقل 6000 طن قمح من مرفأ طرطوس  مستشفى اللاذقية الجامعي.. زيادات ملحوظة بالعلاجات .. وأقسام جديدة قداسٌ في السويداء عن راحة نفوس شهداء التفجير الإرهابي في الدويلعة تردي الخدمات في البويضة.. ورئيس البلدية لـ"الثورة": الإمكانيات محدودة