صدر عن مجلس الشيوخ في الشهر الفائت ثلاثة قرارات تحول دون تمكين الرئيس من استثمار صلاحياته في الإسراع ببيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة. كما صدر عن مجلس النواب قرارات مماثلة في الأسبوع الماضي. لكن الرئيس لم ينصاع لمطالبهما، بل لجأ إلى استخدم حق النقض معترضاً في ذلك على القرارات الثلاثة، الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين السياسيين جزءاً من خضوعه لمطالب الحكومتين السعودية والإماراتية.
لقد استخدم الرئيس الأميركي الفيتو في يوم الأربعاء الفائت حيال القرارات التي أصدرها الكونغرس لعرقلة صفقات الأسلحة لصالح السعودية والإمارات التي سبق له أن مضى بها دون الحصول على موافقة الكونغرس.
وأعرب ترامب في الرسالة التي رفع بها الفيتو للقرارات الثلاثة بقوله: (أولا وقبل كل شيء، إن واجبنا المقدس يتمثل بحماية أكثر من 80,000 مواطن أميركي يقيم في السعودية تتعرض حياتهم للخطر جراء هجمات اليمنيين).
ويعد هذا المبرر من الأمور المفضلة لدى الإدارة الأميركية لتسويغ تسليح مجرمي الحرب، إذ يبرر صفقات البيع بذريعة (حماية) الأميركيين الذين اختاروا العيش في السعودية، لكن الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة للسعوديين والإماراتيين لا تحمي أحداً، بل إنها تفضي إلى قتل وإصابة اليمنيين الذي لم يقترفوا أي إساءة بحق الولايات المتحدة. وليس من المسوغ البتة أن ترتكب بعض الحكومات الجرائم بحق شعوب أخرى وتبرر ذلك بكون عدد من مواطنيها يقيم في بلاد أولئك الشعوب، وما يجدر ذكره أن حياة الأميركيين الذين يعيشون في المملكة لم يسبق أن تعرضت للخطر ولاسيما أنهم لم يشاركوا في حملة القصف العشوائي التي ينفذها التحالف السعودي ولم يرتكبوا جرائم وحشية بحق الشعب اليمني. بيد أنه من خلال الاستمرار بتوفير الأسلحة للسعوديين والإماراتيين، فإن ترامب يعرض حياة المواطنين الأميركيين في المنطقة لخطر أعظم.
وتستمر مبررات ترامب المحرجة بهدف تسليح مجرمي الحرب إذ يقول:
(تمثل المملكة السعودية حصناً ضد إيران في المنطقة، لذلك فإن التراخيص التي يمنعها القرار المشترك تفضي إلى عرقلة السعودية)
ونرد عليه بالقول إن (حصن) السعودية العظيم شن حرباً غبية على اليمنيين وهي تدفع في الوقت الراهن ثمن غبائها. فالحرب على اليمن قادت بالرياض وأبو ظبي إلى حرب يتعذر تحقيق الفوز بها، وكلما زادت الولايات المتحدة من تقديم الأسلحة إلى تلك الحكومتين تكون قد أطالت الحرب التي يشناها على هذا البلد). ذلك لأن إرسال الأسلحة إلى السعوديين والإماراتيين لن يردع أي جهة أو يدافع عن أي أحد، بل إن كل ما يتحقق يمثل تشجيعاً لعملائنا في تلك الدولتين على سفك الدماء وارتكاب المزيد من الحماقات.
وأخيراً، إن لم يصار إلى الحد من قدرة شركائنا على انتاج وشراء الأسلحة الدقيقة والموجهة، فإن النزاع سيطول أمده ما يؤدي إلى زيادة معاناة الشعب اليمني.
ولا ريب أن السبيل الأنجع لإنهاء الحرب على اليمن يتمثل بحرمان التحالف السعودي من وسائل الاستمرار بالحرب، ذلك لأن تدخل هذا التحالف أدى إلى إطالتها وتكثيفها، كما وأن التورط السعودي على مدى السنوات الأربع حال دون إنهاء هذا النزاع.
لا شك أن تزويد السعودية والإمارات بالأسلحة أتاح لهما ارتكاب جرائم حرب، كما أن بيعهما المزيد منها جعلهما يقدمان تلك الأسلحة لوكلائهما، الأمر الذي يعد انتهاكاً للاتفاقيات التي التزموا بها مع الولايات المتحدة، ومن الواضح أن واشنطن لا تكترث للمعاناة التي تسببت بها من خلال الحرب على اليمن، ولو كانت تكترث لما سعت بأقصى ما لديها من جهد لاستمرار النزاع على مدى السنتين والنصف الأخيرة.
وخلص الرئيس إلى كذبة يتعذر على أي أحد تصديقها عندما قال:
(ينتاب الولايات المتحدة القلق والخشية من أعداد القتلى الأبرياء ولذلك نبذل المساعي لإنهاء النزاع القائم في اليمن).
لكننا نرى بأن كل جزء من خطابه كان مفعماً بالأكاذيب والترهات، ذلك لأن الولايات المتحدة، على نحو خاص، لم تبال بأعداد القتلى الهائل الذي نجم عن الحرب والأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان اليمن، ومن خلال جهود الإدارة الأميركية الملحة لإجهاض محاولات الكونغرس تثبت أن لا مصلحة لها في إنهاء النزاع، بل على العكس، يسعى الرئيس ووزير خارجيته لتلبية احتياجات الحكومات المسؤولة عن قتل المدنيين في اليمن. إذ يلاحظ أن الإدارة لم تدخر جهدا إلا وبذلته في سبيل تجاهل معارضة مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس لهذه الحرب، ونجد الرئيس يستخدم الفيتو بغية تقديم الدعم الكامل للائتلاف السعودي الذي يواصل قتل المدنيين اليمنيين في حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.
The American Conservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 31-7-2019
رقم العدد : 17038