من يقود فرنسا فعلياً؟ الجواب على هذا السؤال هو بخلاف الأفكار التي تلقيناها، فالقادة الحقيقيون ليس أولئك الذين نعرفهم، هناك من يدير الأمور من وراء الستار ومن يتحدث من الصحافيين عن أي معلومات سرعان ما يلقى المضايقات والعقوبات، حيث كانت الصحفية الفرنسية من أصل بولوني ناتاشا بولوني قد كتبت عن ماكرون قائلة : (إيديولوجياً هو شخص فارغ وببساطة وراءه قوى مالية تعمل وفق برنامج اقتصادي واضح، إنه مدعوم من قبل بيير بيرجيه وكزافييه نييل وباتريك دراييه الذين بيدهم السلطة حقيقة).
وعلى إثرها تم طرد ناتاشا من محطة (أوروبا I) ومن (Paris Premier) علماً ان برامجها كانت تحظى بجمهور واسع، إذ تم طردها لأنها أشارت بوضوح إلى الذين يملكون حقيقة زمام السلطة ويقفون وراء ماكرون، يضاف إليهم برنارد آرنو وعائلة داسو وفانسان بولوري وفرانسوا بينول وأوليفيه بويك، ولأن هؤلاء هم فعلاً من يدير فرنسا ويسيطرون على وسائل الإعلام، برنارد آرنو يملك صحيفتي (Le Parisien, Les Echos) وراديو كلاسيك وإذاعة La Tribune وهو أكبر المعلنين في كافة قطاعات الصحافة، عائلة داسو تملك صحيفة LeFigaro و Particulier. باتريك دراييه يملك ١٤ قناة تلفزيونية ومحطتي راديو وخمس صحف منها ليبراسيون والاكسبريس RMC و BFMTV …ألخ من أسماء الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة إذ لا مجال لتعدادها كلها ولم يفلت من الملكية الخاصة سوى بعض القنوات التلفزيونية القليلة.
ولا ننسى أن هؤلاء هم من يدير معاهد سبر الآراء أي بأيديهم الأدوات النافذة للتلاعب بالرأي العام، هؤلاء لديهم وسائل لمعرفة نوايا مختلف طبقات الشعب بحسب العمر والجنس وحسب الوسط الاجتماعي المهني، فهم يستطيعون التحكم بتغيير الرأي ولاسيما مع تأثير الصحافة ويعرفون قياس التأثير على الرأي العام جراء مشاركة زعيم سياسي من الناس في جلسة نقاش كبرى خلال حملة انتخاب وهكذا يستطيعون اتخاذ القرار بعدم دعوة الاشخاص الذي يرونهم خطيرين، ولنذكر كيف بدا ماكرون منتصراً بعد لحظات من المناظرة الوحيدة مع اثني عشر مرشحاً يوم الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٧ ولزمن طويل كان الملياردير برنارد آرنو مع فرانسوا بينول مساهمين بشكل مباشر في هذه المعاهد كما تضاف عائلة روتشيلد للاستثمار في وسائل الاعلام، وهذا بالنسبة لها ليس استثماراً كبيراً اذا ما قيس بفروعها الأربعة التي تمثل في فرنسا إمبراطورية من المال والأملاك، ناهيك عن أنها تقود شبكة قوية وبالتالي فإن عائلة روتشيلد تلعب دوراً بارزاً على الساحة الدولية.
إن بحثنا عن معرفة من يقود فرنسا انطلاقاً من فرضية أن امتلاك وسائل الإعلام هو أحد الأدوات الرئيسية للسلطة التي يجب ان يضاف إليها معاهد استطلاع الرأي يقودنا هذا إلى ذكر ١٨ اسماً منها برنارد آرنو، عائلة داسو وريثة سيرج داسو وإليزابيت بادينتيير مديرة مؤسسة (Publicis) وكانت من الذين أعطوا علاوات لموظفيها لتهدئة حركة (الستر الصفراء) أيضاً يضاف إلى هؤلاء ماتيو بيغاس، مدير بنك الأعمال (الإخوة لازار) وهو على رأس مستشاري الحكومة، فإلى الذين يشككون بالقادة الحقيقيين للدولة الفرنسية عليهم أن يفكروا ملياً بأن البنوك في خدمة ما يسمى (مستشارية الحكومة) ويعد ماتيو بيغاس وديڤيد روتشيلد مديري بنوك الأعمال الرئيسية وهم من بين الأسماء الخمسة عشر للقادة الحقيقيين لفرنسا.
وقد يكون الذين يقودون فرنسا بضع عشرات باسم الثروات الطائلة التي يملكونها والتي تنشر أرقامها كل عام مجلة (شالانج) وبالطبع القواعد التي تطبق في موضوع الضرائب لا تخص هؤلاء الأشخاص كما أعلن هنري غيينو :(ثروات فرنسا تفاوض ضرائبها، فالضرائب هي اختراع الأغنياء لكي يدفع الفقراء).
إن هؤلاء الأشخاص وتلك العائلات هم من يشكل الحكومة الحقيقية لفرنسا ذلك وحتى إذا كانت سياستهم تتوافق في أمور معينة وتوجب عليهم أن يجتمعوا فإن اجتماعهم يشبه بشكل قوي اجتماع عرابي المافيا لأن التنافس بينهم شرس ليس فقط بخصوص السيطرة على وسائل الإعلام بل بشأن أمور أخرى أيضاً، فهم غالباً خصوم بل أعداء لكن لديهم مصالح مشتركة واستراتيجية توحدهم إنهم يصطفون جميعاً وراء سياسة الأوليغارشية أورو-أطلسية.
وسياستهم من أجل الوصول إلى أهدافهم تقوم على فعل كل شيء وأن تطبق التوجهات الكبرى للسياسيات الاقتصادية تحت سيطرتهم، وضمن هذا المنظور أطلقوا في مدارهم إيمانويل ماكرون مؤكدين ترقيته خلال عام ٢٠١٦ مع سبعين ألف مقال كتب عنه في الصحف وغطت صورته غلاف ٧٥ مجلة ومئات الساعات خصصت له في الإعلام المرئي وهم الذين شاركوا بقوة في إقصاء فرانسوا فيون المنافس الرئيسي له، فهؤلاء هم من يصنع رؤساء الجمهورية وحكومات تخضع لأوامرهم ولم نكن نجرؤ على كتابة ذلك من قبل، لكنه الآن بات واضحاً بعد انتخاب ماكرون أنه هكذا تمارس السلطة في فرنسا، وما بين طبقة السياسيين الذين نطلق عليهم (بهلوانيين) أو دجالي السياسة وبين أصحاب المليارات هناك طبقة وسيطة تسمى رؤوس المافيات الكبيرة وهي تعمل مباشرة لصالح طبقة الأثرياء، كما أن البعض منهم يمكن أن يظهر كمستشار لدى الرؤساء مثل جاك أتالي ونجد أيضاً برنار هنري ليفي الذي يتدخل كمختص (فيلسوف) ويدفع بالأسوأ كما فعل أيام ساركوزي في ليبيا.
وإذا اعتبرنا أن دجالي السياسة ليسوا سوى الطبقة الثالثة في هذه التركيبة بعد طبقة الأثرياء ورؤوس المافيات، فهؤلاء هم أعضاء كل المؤسسات وأماكن التصويت والنقاش التي توحي بمظهر الديمقراطية للنظام الإجمالي وإخفاء الحقيقة على غرار ما يحدث في البرلمان الأوروبي، وهو من المؤسسات التي ليس لديها أي سلطة إنما تنفذ القرارات المتخذة من الطبقات العليا، وهكذا فإن تركيبة الهرم تبدو كاملة، أي أن الثروات الكبيرة التي تقود فرنسا تندمج ضمن حكومة هذه الجماعات النافذة (الأوليغارشية، الأورو-أطلسية) وتحتل مكانها تماماً حتى النهاية حيث تلعب أوراقها بعمق في هذه المؤسسات (الاتحاد الأوروبي – الناتو- البنك الأوروبي المركزي – صندوق النقد الدولي)
فانطلاقاً من هذه المؤسسات مع الموافقة التامة لأصحاب الثروات الهائلة التي تقود البلاد، يتم إعداد سياسة فرنسا.
عن موقع فالميه
ترجمة: مها محفوض محمد
التاريخ: الأربعاء 31-7-2019
رقم العدد : 17038