كان قلعة من قلاع الصمود والتصدي ومازال اسطورة من اساطير الاباء والعنفوان التي سجلها التاريخ وحافظ على شموخه المعهود كشموخ قلعة حلب رغم كل الرياح الارهابية العابرة للقارات التي حاولت ان تتسلل اليه والنيل منه، انه سجن حلب المركزي الذي سجل تاريخ سورية المشرق التي لم ولن تنحني لكل الارهاب العالمي الذي سقط وتحطم على صخرة الصمود السورية.
ففي عام 2014 اسدل سجن حلب المركزي الستار عن فصل من فصول حكاية الحرب الارهابية على سورية، السجن الذي يعتبر بناء قديما صمد لأكثر من عام ونصف العام، وتصدى لعشرات الهجمات الارهابية، وعاش من فيه أشهراً من الجوع والعطش، فتحول إلى أسطورة في سورية التي تصدت لأعتى حرب ارهابية في التاريخ بهمة ابطال الجيش العربي السوري العظيم الذين سطروا وما زاوا يسطرون ملاحم في البطولة والصمود.
حكاية الصمود
مع نهاية العام 2012، تمكن الارهابيون من السيطرة على مدرسة المشاة في شمال حلب، وكانت تعتبر خط الدفاع الأول أمام هجمات الارهابيين الذين سيطروا آنذاك على الشمال السوري الممتد إلى تركيا.
هجمات عديدة تعرضت لها المدرسة قبل أن يسيطر عليها من قبل الارهابيين في كانون الاول العام 2012، تاركة خلفها السجن المركزي المحاذي وحيداً في البقعة التي يسيطر الارهابيون على كل محاورها، لتبدأ بعدها حكاية السجن، الذي تحول إلى نقطة رصد لأي تحركات ارهابية في محيطه، قاطعاً بذلك احد أهم خطوط الإمداد للارهابيين من الحدود التركية إلى مدينة حلب حينها.
إلا أنه ومع مرور الأيام، بدأ الارهابيون يضيقون الخناق على السجن، الذي كان يضم حينها نحو 4500 سجين، وعددا كبيرا من الحراس، انضم إليهم بعض الجنود من مدرسة المشاة.
لم تمض إلا أسابيع قليلة على سقوط مدرسة المشاة، حتى تمكن الارهابيون من السيطرة على مخيم حندرات المواجه للسجن. ضاق الخناق أكثر. قطعت خطوط التواصل بين السجن ومدينة حلب، وأصبح محاصراً من جميع الجهات.
وبعد فترة وجيزة على سيطرة الارهابيين على مخيم حندرات تقدم الجيش العربي السوري خلال عملية واسعة نحو المخيم، تمكن خلالها من تثبيت قواعد له في المخيم، وفي مبنى مستشفى الكندي، الذي تعرض لعملية نهب واسعة بعد دخول الارهابيين إليه، إلا أن هذه الحال لم تدم طويلاً، ففي نيسان عام 2013 تمكن الإرهابيون الذين ينتمون الى ما تسمى «الجبهة الإسلامية» و»جبهة النصرة»، من إعادة السيطرة على مخيم حندرات، ليصبح مبنى مستشفى الكندي محاصراً بدوره، وتقطع كل خطوط الإمداد نحو السجن، ليبدأ بعدها الحصار يشتد تدريجياً، مع انعدام قدرة الدولة السورية وقتها على إيصال المساعدات عبر الطوافات التي كانت تتعرض لمحاولات إسقاط من جهة، وبسبب عدم قدرة عناصر حماية السجن على التحرك في مناطق واسعة لالتقاط المساعدات.
ومع دخول فصل الصيف تدريجياً، بدأ الوقود ينفد وكانت المياه مقطوعة حينها، وكذلك التيار الكهربائي، وبدأ الغذاء ينفد بدوره، حاله كحال الأدوية التي نفدت، ومع اشتداد الحصار بدأ سجناء يرسلون نداءات استغاثة الى المنظمات الدولية، إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً في البداية، حيث فارق بعضهم الحياة بسبب نقص الغذاء والدواء، بالتزامن مع بدء الارهابيين هجمات عديدة على السجن بهدف السيطرة عليه.
عشرات الهجمات تعرض لها السجن منذ إطباق الحصار عليه، بعضها كان عن طريق استهدافه بالقذائف الثقيلة، وأخرى عن طريق الهجمات الارهابية البرية والمفخخات، تسببت بمجملها بسقوط نحو 150 شهيداً، تم دفنهم في باحة السجن الخلفية، التي تحولت إلى مقبرة, وكانت أعنف الهجمات التي تعرض لها السجن بعد سيطرة الارهابيين على مبنى مستشفى الكندي نهاية العام 2013، حيث تعرض للاستهداف بالرشاشات الثقيلة، بالتزامن مع هجوم بعربة مفخخة، تسببت بتدمير سور السجن، وغرفة كان يتحصن فيها عناصر حمايته عند مدخله، بالتوازي مع تصعيد إعلامي كبير من قبل اعداء سورية آنذاك، وصل في كثير من الأحيان لحد تسويق مزاعم واهية من قبل وكالات أنباء تابعة لاعداء سورية عدة عن تمكن الارهابيين من السيطرة عليه، حتى أن ما يسمى حينها «الائتلاف الوطني المعارض» هنأ في بيان له في شباط من عام 2013 الارهابيين على ما زعموا إنجازهم بالسيطرة على السجن، إلا أن الوقائع كانت غير ذلك، فالسجن ظل صامداً.
الجيش يفك الحصار الإرهابي عن سجن حلب
استطاع الجيش العربي السوري في عام 2014 بعملية نوعية معززة بالمدرعات دخول سجن حلب المركزي، ليكسر الحصار المفروض عليه آنذاك من قبل المجموعات الارهابية المسلحة.
وسيطر الجيش العربي السوري بداية على منطقة الجرف الصخري، والتي تطل على بلدة حيلان وسجن حلب الركزي، وبدأت العملية العسكرية المباغتة بتقدم الجيش ليسيطر على تلة حيلان والجرف الصخري المطلين على سجن حلب المركزي، وتلة اغوب من الامام، ومنطقة البريج وقوس المدينة الصناعية من الخلف.
وقامت قوات الجيش العربي السوري حينها بعملية خاطفة استطاعت من خلالها القضاء على الارهابيين في التلال المشرفة على منطقة حيلان، ومنطقة شرقي مخيم حندرات، وبذلك استطاعت التقدم باتجاه تل قلعة اغوب، المشرف مباشرة على سجن حلب المركزي.
وبالسيطرة على هذه المنطقة استطاعت قوات الجيش العربي السوري ان تفتح الطريق الى سجن حلب المركزي، والقضاء الكامل على سيطرة الارهابيين على الجهة الغربية من المدينة الصناعية في الشيخ نجار في حلب.
وكانت وحدات الهندسة في الجيش العربي السوري حينها لا تزال تعمل على تأمين محيط السجن وتفكيك العبوات الناسفة، التي زرعتها المجموعات الارهابية المسلحة لإعاقة تقدم وحداته نحو اسوار السجن.
وعن أسباب صموده، فان طبيعة بناء السجن، الذي بني في ستينيات القرن الماضي، يجعله حصناً منيعاً، فهو مبني من الاسمنت المسلح، يعتمد مبدأ الأجنحة، وكل جناح مفصول عن الجناح الآخر ببوابات حديدية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن آلية الدفاع عنه كانت ناجحة، حيث تم توزيع عناصر حمايته بشكل جيد، وتم تحصين جميع الطرق المؤدية إليه من جهة أخرى، الأمر الذي حال دون سقوطه.
ومع وصول الجيش العربي السوري إلى السجن، ضمن العملية العسكرية التي بدأت في تشرين الثاني من عام 2014، بعد سيطرة الجيش على مدينة السفيرة، طويت صفحة السجن الذي أبى أن يسقط، كما طويت معه معاناة النزلاء الذين عانوا خلال فترة حصار السجن من قبل الارهابيين الجوع والعطش والحرمان.
موقع السجن
يقع سجن حلب المركزي إلى الشمال من مدينة حلب، بجانب منطقة حندرات ويظهر العلم السوري عليه واضحاً من المدينة الصناعية في الشيخ نجار، ويعتبر سجن حلب المركزي من اكثر مناطق ريف حلب التي شهدت اشتباكات عنيفة طوال اكثر من عام، حيث حاولت المجموعات الإرهابية وبشكل متكرر السيطرة عليه.
الثورة – رصد وتحليل
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039