الأول من آب المشهود من العام ١٩٤5 الواقف على سن التاريخ ورمحه، هو يوم ليس كباقي الأيام هو عيد تأسيس الجيش العربي السوري.
أول نواة في الجيش السوري كانت هي القوى البرية، ويعود تاريخ القوى البرية إلى حقبة النضال العربي ضد الأتراك العثمانيين وتشكيل (الجيش العربي)، في عهد أول حكومة عربية قامت في دمشق في الفترة بين 1/10/1918 و25/7/1920، ولتحقيق ذلك صدر أمر من (ديوان الشورى الحربي) بحلّ (الجيش الشمالي) وتسريح قسم كبير من ضباطه وأفراده، والمباشرة عن طريق (التأطير) والاستدعاء للخدمة والتطويع، بتشكيل جيش منظم حسب الأصول العسكرية الحديثة.
كان الملاك المقترح للجيش العربي يقضي بأن يكون عدده في حدود 18000 مقاتل، وبهدف استكمال الملاكات تم افتتاح مدرسة حربية في (جامع دنكز) لتخريج أفواج جديدة شابة من الضباط، ومدرسة عسكرية متوسطة (رشدية) لتخريج صف الضباط، وحاولت القيادة سد النقص الحاصل في عدد الجنود عن طريقين: التطوع، والخدمة العسكرية الإلزامية.
وبعد تشكيل الوزارة الدفاعية في 3 أيار 1920، وتولّي يوسف العظمة وزارة الدفاع أخذ على عاتقه مهمة تنظيم الجيش وإيجاد هيئة أركان جديدة له تتألف من عدة فروع.
تكون ملاك الجيش العربي السوري من ثلاث فرق:
1) الفرقة الأولى: مقرها في دمشق، وبلغ تعداد هذه الفرقة 5000 مقاتل، وامتدت ولاية هذه الفرقة من حمص شمالاً حتى الشيخ مسكين جنوباً، ومن البادية شرقاً حتى الخط الذي يمتد بين تلكلخ وسهل البقاع والقنيطرة من الغرب، وهذه الفرقة هي التي جابهت العدو الفرنسي في معركة ميسلون.
2) الفرقة الثانية: مقرها درعا، وكانت صلاحيتها تمتد شمالاً حتى الشيخ مسكين وجنوباً حتى معان والعقبة، وغرباً حتى الأراضي الفلسطينية التي كان يسيطر عليها الإنكليز.
3) الفرقة الثالثة: مركزها حلب، تشمل جنوباً حتى حماة وشمالاً حتى موقع جرابلس، وشرقاً حتى العراق وغرباً حتى أراضي المنطقة الساحلية التي كانت تسيطر عليها القوات الفرنسية.
وكانت كل فرقة من الفرق الثلاث تضم ثلاثة ألوية مشاة، ولواء مدفعية، وتألف لواء المشاة من ثلاثة أفواج، وضم الفوج الواحد ثلاث سرايا وسرية رشاشات.
لقد كان دور القوى البرية في هذه المرحلة بارزاً من خلال الدور المشرف في معركة ميسلون بقيادة الشهيد يوسف العظمة، الذي وجد نفسه مضطراً لخوض معركة كان يعرف سلفاً أنها خاسرة من الناحية العسكرية.
لقد دخل السوريون – وعلى رأسهم وزير دفاعهم يوسف العظمة – ميسلون لكي يبرهنوا للعالم أجمع أن جيوش فرنسا لم تكن تغزو، في يوم 24 تموز 1920، (أرضاً بلا شعب)، وإنما كانت تغزو بلداً مستقلاً له جيش فتي لا يرضى بتدنيس أرض الوطن إلا بعد دفع ضريبة الدم، لقد آثر هذا الجيش أن يقوم بواجبه كاملاً في الدفاع عن الوطن مهما بلغت الخسائر والتضحيات، ولهذا فلا غرابة أن تصل نسبة الخسائر فيه إلى ربع عدد الضباط وخُمس عدد الجند الذين خاضوها.
إثر أحداث شهر أيار عام 1945 واندلاع الاصطدامات الدامية مع الوحدات العسكرية الفرنسية المتمركزة في البلاد، قامت الحكومة السورية بإصدار سلسلة من القوانين استهدفت إنشاء وحدات عسكرية سورية على وجه السرعة، فأصدرت الحكومة أولاً القانون رقم 190 في 26 أيار 1945، الذي حدد مهام (وزارة الدفاع الوطني ) لأول مرة، وأتبعته بالقانون رقم 192، الذي يقضي بتخويل الحكومة دعوة المواطنين إلى الخدمة، وأتبعت ذلك بقانون ثالث رقم 194 في 29 أيار 1945 يتعلق بتأليف (القوة الاحتياطية)، ويقضي بإنشاء قوة مشاة احتياطية تضم 5000 رجل بين ضابط وصف ضابط وجندي، ترتبط بقيادة الدرك الوطني مؤقتاً.
وقد نص القانون على جعل هذه القوة في ثلاثة ألوية، وأن يتكون كل لواء من ثلاث كتائب، وأن تتكون الكتيبة الواحدة من أربع سرايا، وأن تضم السرية الواحدة 150 فرداً.
وتنفيذاً لاتفاق 30/7/1945 نُقلت مسؤولية الوحدات السورية في القطعات الخاصة إلى سلطة الحكومة السورية في الأول من آب 1945، وهي تشمل سبعة أفواج مشاة مع عدد من الوحدات المساعدة.
بدأ تنظيم الجيش السوري على أسس جديدة، بمجرد استلامه من سلطات الانتداب، حيث أصدرت قيادة الأركان الحربية الأمر رقم 55/3 في 29 آب 1945، الذي قضى بأن يجتمع كل فوجي مشاة في تشكيل لواء واحد.
لم يكن قد مضى ثلاث سنوات على تنظيمه حتى خاض هذا الجيش الفتي حرب فلسطين بإمكانيات متواضعة سواء من حيث العَدد أم العُدد أم تدريب الأفراد، مع ذلك فقد تمكن من خوض معارك باسلة وتحقيق نتائج مقبولة في هذه الحرب.
عرف الجيش السوري والقوى البرية بشكل خاص تطوراً ملحوظاً بعد عام 1949، وبلغ قدراً أفضل في مستوى التدريب والتسليح، وقد نجح الجيش في تثبت دعائم التوجه الوطني – القومي – الديمقراطي – الدستوري في سورية والمساهمة مع القيادة السياسية في اتخاذ القرارات الصائبة لمواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية بالوقوف في وجه المخططات الاستعمارية والصهيونية، ودعم حركات التحرر العربي، وتحقيق أول وحدة عربية بين سورية ومصر (1958)، وقد شكلت هذه التجربة لدور الجيش الوطني، بعد تطويرها لاحقاً، الأساس لدور الجيش العقائدي.
مما لا شك فيه أن القوى البرية في الجيش العربي السوري (الجيش الأول) تطورت تطوراً كبيراً خلال سنوات الوحدة، ويعود سبب ذلك إلى اتفاقية التسليح التي وقعتها سورية مع الاتحاد السوفييتي عام1957، لقد خاض الجيش العربي السوري في فترة الوحدة العديد من المعارك مع إسرائيل وكانت معركة التوافيق، التي وقعت في 31 كانون الثاني 1960 إحدى المعارك المميزة من حيث حجم القوات التي اشتركت فيها والتحركات العسكرية التي رافقتها.
لقد عملت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بعد ثورة آذار، ورغم كل الصعوبات على تطوير البنية التنظيمية للجيش وزيادة قدرته القتالية، عن طريق توسيع أطر الجيش وزيادة حجمه وزيادة عدد وحداته المقاتلة، واستيراد الأسلحة الحديثة، وقد أمكن حتى عام 1967 إضافة لواء دبابات وعدة كتائب مدفعية، ميدان، وبعض وحدات التأمينات القتالية.
بعد وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل في العاشر من حزيران 1967، كان في أولويات القيادة السورية الإسراع بتنظيم الدفاع بالقوات الموجودة، واستكمالها لإحباط أي عملية هجومية يحاول العدو القيام بها.
عندما كانت قواتنا المسلحة في الفترة 1968 -1970 تعيد بناء قوتها معنوياً ومادياً، وتواصل تدريبها الشاق استعداداً لمعركة التحرير، كانت بنفس الوقت تخوض المعارك في حرب الاستنزاف، وتقدم الكثير من التضحيات وتظهر أمثلة مشرفة للبذل والعطاء، وتكبد العدو الصهيوني مزيداً من الخسائر في المعدات والأرواح، وتكتسب خلال الصراع المسلح المزيد من الدروس والعبر لتستفيد منها في المعارك المصيرية.
إعداد – زينب العيسى
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039