لم تكن روسيا بحاجة إلى الموقف الأميركي الأخير الذي يسمح لتركيا بالدخول إلى الأراضي السورية بعمق 5 كم لتعرف أن هذه الدولة التي كانت أول من شارك بالعدوان الكوني ضد سورية لن تتعقلن وتلتزم باتفاقية آستنة 13، وأنها لن تتخلى عن مراوغتها سواء كان ذلك مراهنة على ترتيبات ما في شرقي الفرات، أو انتظاراً للحظة الدولية التي تعيدها إلى مشروع قضم الأراضي السورية الذي يبدأ من المعقل الأخير للارهابيين أي إدلب، وهذا ما سيسرع بعملية تحرير إدلب وكذلك بقية الأراضي في شرقي الفرات .
كما أن هذا الموقف حرر روسيا من التزاماتها مع الأطراف المعادية لسورية وربما هي تريد ذلك ليكون دورها واضحاً وحاسماً .
لقد ذكرنا سابقاً أن سورية قبلت على مضض باتفاق سوتشي لأنها رأت فيه فرصة لتحرير إدلب على مراحل مع خفض الخسائر والتضحيات إلى الحدّ الأدنى، ومع سدّ باب الذرائع للتدخل الأجنبي، إضافة إلى كونه يعطي سورية وقتاً إضافياً لإنجاز مستلزمات التحرير .
في الوقت الذي كانت تركيا تتملّص من تنفيذ أي اتفاق لتعطي الفرصة للإرهابيين لتنظيم أوضاعهم والبقاء في مواقع تعقد العملية العسكرية السورية في حال انطلقت وترفع مستوى التكلفة لها إذا نفذت، فاستفاد الإرهابيون من السلوك التركي ودخلوا في حرب استنزاف ضدّ الجيش السوري.
و كسبت الوقت للمضي في خطة تتريك المناطق التي تسيطر عليها في الشمال الغربي السوري لضمّها تدريجياً إليها، واتجهت إلى فرض مناهجها التعليمية والتربوية وفرضت عملتها في التداول، ورفعت علمها بدلاً من العلم السوري.
هنا شن الجيش العربي السوري عمليات تأديب ميدانية وأنزل بالإرهابيين خسائر فادحة وأجهض خطة حرب الاستنزاف وانطلق في عمليات احترافية مدروسة وهيأ البيئة العملانية لإطلاق معركة التحرير الكبرى لإدلب .
لقد خرج المجتمعون من آستنة 13 (روسيا وإيران وتركيا) بقرارات ومواقف كانت الأفضل من كلّ ما سبق، فقد انتزعت من تركيا توقيعاً صريحاً وتعهّداً واضحاً باحترام وحدة الأراضي السورية والعودة إلى اتفاق سوتشي وتنفيذه بصدق وأمانة يعني إقامة المنطقة العازلة المنزوعة من السلاح بتراجع الإرهابيين 20 كم بعيداً عن خطوط التماس مع الجيش العربي السوري وإقامة نقاط مراقبة تركية وروسية لضبط وقف إطلاق النار، ما أدى الى موقف فوري من الإرهابيين للاتفاق الذي تم خرقه بعد ساعات من قبل الإرهابيين.
تركيا تعلم أنها بالتزامها بمقررات آستنة وبموافقتها على الجانب السياسي وقبولها باللجنة الدستورية تعلم أن مشروعها سيسقط وهي التي خاضت الحرب ضد سورية لتحقيقه، ما يعني أنها هزمت .
إنّ تركيا في وضع استراتيجي وسياسي وأمنى غير مريح لها، و عليها أن تختار بين المزيد من المجازفات والرهانات الخاسرة وبين اعتماد سياسة الدفاع وحماية المصالح الاستراتيجية والأمنية المشروعة التي يمكن أن يقبلها شعبها. ومن مصلحتها وقف المراوغة والتسويف، والتعامل بصدق مع روسيا وإيران، فهل تتعقلن هذه المرة؟ لكننا حتى اللحظة نشكّ بذلك ونرى أنّ الجيش العربي السوري مستمر في التحضير لمعركة تحرير إدلب عاجلاً أم آجلاً .
وإن غداً لناظره قريب…
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 13-8-2019
رقم العدد : 17049