مجموعة من الشباب البارعين تقدم رؤيتها لما أحدثته سنوات الحرب في المجتمع السوري.
بالتوصيف السابق يمكن تلخيص العرض المسرحي (طميمة) الذي يُقدم على خشبة مسرح القباني منذ مطلع الشهر حاملاً توقيع شادي كيوان كاتباً، وعروة العربي مخرجاً، و توقيع الممثلين كفاح الخوص وكرم الشعراني ويزن الخليل، وخريجتي الدفعة الأحدث من المعهد العالي للفنون المسرحية: مرح حجاز ومرح حسن، وسط حضور كثيف ولافت للانتباه، ففي هذا العرض المحلي بالمطلق يستغرق المشاهد لنحو خمس وسبعين دقيقة معجونة بالترقب مع أحداث وحكايات أحداث وحوارات تدور في غرفة وحيدة بائسة حرص مخرج العمل، ومصمم الديكور (محمد كامل)، على أن تكون واقعية إلى أبعد حد، كما هو حال شاغلها، ومستأجرها، وحال صديقيه الذين يلتقون فيها، بعد زمن طويل من التفرق، في فسحة زمنية قصيرة أرادها الصديقان أن تكون مفاجأة سعيدة لصديقهم القديم، غيرأنها كانت بالنسبة له زمن من التوتر والقلق دفع بالجميع إلى مواجهات قاسية أعادت تفرقهم، وربما إلى الأبد هذه المرة.
في غمرة قلق المشاهد مما سيحدث للخطيبة – الصديقة المختبئة في خزانة الغرفة، فيما خطيبها العائد فجأة من ألمانيا يجلس مع صديقيه على بعد خطوات، لم يضّيع النص المصاغ برشاقة وذكاء على خلفية لعبة التشويق والقلق هذه، مقولته الأساسية، وإنما جعل هذا الحدث – المفتاح منطلقاً لحكايته المسرحية، وحجة لاقتطاع جزء من واقع مرير، وتقديمه – دون رتوش- على خشبة المسرح، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، بفضل براعة، وخبرة المخرج، وبفضل الأداء المدهش للممثلين الذين منحوا كل لحظة ما تحتاج من تعبير وقوة أداء وتباين مشاعر، وشكلوا مجتمعين فريق عمل متناغم ومتماسك، وحيث أن الكتابة عن أي عمل فني، لا يمكن أن تكون بديلاَ عن مشاهدته، أو الاستماع إليه، فإنه يكفي القول إنه من بعض ما يسجل للعرض وهو كثير، توزيع إداناته على الجميع: الأشخاص،الزمن والأحداث، وتعاطفه في الوقت ذاته مع أولئك الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على خيارات لم يكونوا ليقبلوا بها في ظرف آخر، وخاصة بطلتي العرض اللتين مثلتا بشكل ما، الظلم الإضافي الذي تعرضت له المرأة السورية زمن الحرب، بحيث كانت الضحية الأكبر لها.
يشير عرض (طميمة)، إضافة لكونه عملاً فنياً هاماً، إلى الدور الذي أداه، ويؤديه، المعهد العالي للفنون المسرحية في حياتنا الثقافية – الاجتماعية، وبعض جوانبه الحضور الكثيف للجمهور الشاب في عروضه المكتظة، فالكاتب والمخرج والممثلون جميعاً من خريجي المعهد، يضاف إليهما مصمم الإضاءة (أدهم سفر) ومنفذها (علاء كيزاوي) ومصممة الأزياء (رزان أحمد) ومصممة المؤثرات الصوتية (حنان سارة). في بطاقة العرض أيضاً نقرأ أسماء: كفاح الخوص (دراماتورج، وكلمات أغنية الختام)، حسن عطفة (ألحان)، عبد الله عطفة (غناء)، حازم جبور (بيانو)، استديو غايا(تسجيل ومكساج)، زهير العربي (إعلان)، حسين صوفان (فوتوغراف)، أنس سلامة (لوحة البوستر)، زياد الحسن (مخرج مساعد)، رامي السمان (مساعد مخرج)، طارق عيسى (مكياج وشعر)، عمر فياض (مدير منصة)، علي النوري (إكسسوار وملابس)، جمال الشرع (تنفيذ الصوت).
إضاءات
ضوء النفق
سعد القاسم |
ما يقال لجهة دور المعهد المسرحي يمكن سحبه على عرض (كيميا) الذي قُدم في الوقت ذاته تقريباً على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون، ومن ثم على خشبة مسرح الحمراء، ففي هذا العرض الذي أخرجه الدكتور عجاج سليم بعد أن قام بإعداده عن نص للروسي (ألكسندر أوبرازتوف) بعنوان (مجالات مغناطيسية)، شاركت مجموعة من خريجي المعهد يتقدمهم المُعّد – المخرج، فمن أجيال الخريجين القدامى شارك مأمون الفرخ ووليد الدبس وسلوى حنا، ومن أجيال الخريجين الشباب شاركت نجاح مختار وعلا سعيد وزامل الزامل وطارق نخلة. إضافة إلى الممثلين المحترفين: فادي حموي وسليمان قطان، ونقرأ في بطاقة العرض أسماء خريجين من المعهد: ياسمين أبو فخر (تصميم الديكور والأزياء) و سهى محمد (مكياج)، واسماء: محمد العزاوي (تأليف وتوزيع موسيقي) و بدور موسى (تنسيق إعلامي)،وجمال تركماني و إنانا حسين (رقص).
عرض كيميا يعتمد على تعبير شائع لوصف المشاعر بين شخصين، انسجاماً أو تنافراً (في كيميا، أو: ما في كيميا)، وهو تعبير مكافئ للحديث عن الانجذاب المغناطيسي ليوصل مقولة المسرحية الأساسية «في أشياء بالحياة ما إلها تفسير .. متل الحب..». وبالتالي فإن الإنسان عليه أن يحيا الحقيقة، أكثر من أن يحاول تفسيرها. وبالتوازي بين أداء الممثلين على الخشبة، وتتالي الصور خلف الستائر الشفافة، يتخطى العرض مفهوم العلاقة بين شخصين، أو انتقاد مؤسسة الزواج غير المبنية على الحب.
يستحق الاهتمام أيضاً عرضٌ آخر قدم على نطاق ضيق في الآونة الأخيرة بتوقيع دانيال خطيب أحد خريجي قسم التمثيل في المعهد، والذي افتتح في طرطوس إثر تخرجه محترفاً مسرحياً، كان من أحدث ما أنتج عرض (أجا) الذي أعده وأخرجه عن نص للكاتب التركي عزيز نيسن، وعرضه في غاليري زوايا المفتتح حديثاً في منطقة برج الروس. في هذا العمل الذي يقوم على ممثلتين هاويتين يتوقف الكاتب عند الحالة التي تعيشها المرأة الوحيدة في مرحلة متقدمة من العمر، وفي التماهي بين الحالة الإنسانية العميقة، ومظهرها الذي يأخذ أحياناً شكلاً كوميدياً، يتابع المشاهد عرضاً متقناً وممتعاً اجتمعت فيه متانة النص، وسلاسة الحل الإخراجي، مع الأداء البارع لبطلتيه، اللتين تنقلاه ضمن مشاعر متباينة.
الشيء الأهم الذي يجمع بين العروض الثلاثة أنها قُدّمت في وقت تواجه فيه الثقافة، والمسرح ضمناً، تبعات حرب شرسة تستهدفها فيما تستهدف، والنصر فيها يستوجب الاستمرار في الابتكار والتجريب وتوسيع الأفق المعرفي والفكري والإبداعي.
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 10-9-2019
رقم العدد : 17071