إبداع… «اذكريني دائماً»..عمـــاد نــداف.. كاتـــب بحبــــــــر الياســـــمين

وضع عماد نداف بين أيدينا مؤخراً كتابه:(اذكريني دائماً), لينقلنا عبر نصوصه الـ (٤٨), بين حارات دمشق وأزقتها, وأزمنتها, مثلما يأخذ بأيدينا مخرج الفيلم وينتقل بأحاسيسنا من مشهد لآخر, فيما يظل المشاهد (القارئ), مشدوداً, مندهشاً ومتابعاً دون انقطاع.
فمن قصة أبو الورد, وحكايا حارة الورد وبساتين المهاجرين وسر رمي سلة الصبّار في الأرض, إلى قصة الشيخ أبو الورق, ظل الكاتب يغمس ريشته في حبر الياسمين, ليكتب عن دمشق وأهلها وهو ينبش الحكايا والأسرار من شقوق الجدران وتشققات جزوع الأشجار, ينبش الأوراق التي انطوت على عادات أهل الشام, وتقاليدهم, وكيف يكون الكاتب طفلاً, يرصد الأبنية الترابية القديمة قبل اختفاء الورق من الشقوق بعد زحف الإسمنت وانحسار بيوت الطين, يقول نداف: «غدت المشاوير التي اعتدت عليها بحثاً عن الأوراق المحفوظة من الأقدام خالية المعنى, فيراني الناس شارداً وكأن شيئاً ما قفدته من روحي, أما أنا فأرى وجهي في زجاج المتاجر رمادياً ضاعت منه الحياة».
بضع عبارات, كان يعثر الكاتب في طفولته عليها, في تلك الأوراق المخبأة في الشقوق, أثرت في كيان شخصيته وتكوينه الوجداني: «ياأهل الشام الحب هو الطريق إلى الله والإنسان».
في (مرارة الحديث عن المر), يحكي الكاتب عن قيمة الوفاء لصديقه سعيد قطرية, بعبارة رائعة: «موت يستعيد الحياة»..
لقد بقي النص الأول في الكتاب: «اذكريني دائما» وحكاية صخرة الربوة التي كتبت عليها تلك العبارة, تراود في أسرارها نفس الكاتب حتى الرمق الأخير للسر فمن نسغها, شرب الكاتب, هذا العشق الدمشقي النادر, وبقيت أجنحة نداف ترفرف وتحلق, ولم تزل.
وفي (حكاية الحميماتي العاشق), أطلّ الكاتب على قصة عشق فراح يتعلم كش الحمام بحثاً عن امرأته.
لقد روى نداف (حكاية قبقاب أبي الذي احتفظت به فرنسا), مقاربة منه في تصوير الوجدان الوطني الصافي المقاوم للاحتلال الذي نشأ في بيئته.
وكذلك في حكاية (السر الذي اكتشفناه بعد وفاة جدي), فجد الكاتب شيخ ورع محسن اعتاد على تقديم الصدقات للأرامل والفقراء, دون علم أحد, إلى أن توفي وانكشفت لأهله تاركة مٱثرها في نفس الحفيد.
وفي نصه (محاولة لاكتشاف الموت), يستعيد نداف أحداثاً وصوراً عاشها في طفولته عن الموت الذي وصل حارته, وشيئاً فشيئاً نجد أنفسنا معه أمام خيال مشغول بالشغف والخوف, بعد أن خطف الموت والده, بخلاف عمته.. ففي (لماذا لم تخف عمتي من الموت), طرح كثيراً من أسئلة الموت بشهية مفتوحة دون أن يجد نفسه مضطراً للإجابة, تاركاً النص مفتوحاً على آفاق أبعد.
لكن العمة لم تخف الموت لأنها ببساطة استعدت له وكانت في انتظاره.
فلسفة الموت والحياة, وتماهي المشاهد على ماتنطوي عليها من مفارقات تتلألأ في نفس الكاتب, ففي نصه (احذر أن ترتدي ملابس بابا نويل مثلي), يكاد أن يكون طفلاً, يأتيه بابا نويل بالهدايا في ليلة عيد الميلاد, فتمثل بابا نويل في لهفة حارة في برد كانون الصغير, وراح ينسج صوراً ومشاهد عاشق يمكن أن يفعل أي شيء يرضي المحبوب, لكنه يتراجع في اللحظة الأخيرة, لأنه سيجد نفسه فجأة آنئذ أمام ٱخرين يداهمون الحلم ذاته.. هكذا وجدناه أيضاً في نصه (تلك الفتاة النصابة), عندما هام بفتاة أخذت كل ماجناه من طوابع بريدية, وسافرت, وبقي وفياً يجمع الطوابع على أمل أن يقدمها لها إذا عادت لكنها لم تعد.
صور شتى لعشق فريد, وحكايا الأحياء والحارات, وقد تنقل الكاتب بين الناس كما ننتقل بين السطور والكلمات..
لقد حفلت نصوص الكاتب: (الدقائق الخمس الزرقاء, عندما تجاورك الحرب أكتب بقلم الكوبيا, الشام وماركة الفول المدمس بوز الجدي, صفير الواتس أب) – حفلت – بجمال الوحدة والصفاء الإنساني في قلب الليل وساعات الفجر وأنت على أرصفة دمشق, ففي هذا العشق يكتشف الإنسان ذاته, لكن الحرب تفسد الجمال كله..(يلعن أبو الحرب موت وذل وجوع), لم يقل الكاتب أكثر من هذه الكلمات, لكنه كتب فيها ألف رواية.
واسقاطات بديعة, فصفير الواتس أب, إشارة لوصول رسالة المحبوب الرمزي, الذي يكبر من بعيد ليصبح بحجم وطن في الغربة.
وفي, (ٱه ياأبي عشت أكثر منك, قبلات حنا مينا السبع, عندما قررت أن أصبح مجنوناً أيام الحرب, عندما شاهدت السيد الجليل عزرائيل, الليلة التالية لغارة الصبورة)..
نصوص بلون الخوف والموت والحب والحياة, حرب وحب تحت السماء وأجنحة المطر, تماه عجيب بين الأشياء والعاشقين, عشق أزلي يتردد صداه حتى إذا داهمتك قذيفة أو صاروخ أو حمم من طائرة معادية, فدمشق تبعث الحياة من جديد.
ألوان من الطيبة واليوميات البسيطة يختصر فيها الكاتب طبع الشام وطبيعة الحياة فيها من جانب قبل أن ينتقل بك فجأة ليرسم لك الأسى والرعب, بل الموت, من خلال بعض مشاهد الحرب على سورية, تتداخل الصور مع نسيج وتاريخ دمشق.. ففي نصوصه: (منقوع قمر الدين وأشجار الغوطة الغالية, كوابيس السيدة زوجتي, حكايات الخوف من الموت, ماذا تفعل لو أصبحت سلطانا, ماقاله جورج طرابيشي عند قلعة حلب, أعترف لقد ألقي القبض علي سارقا, الدخول من أبواب دمشق السبعة, صاحب السعادة الانفجار), يضعك عماد نداف, في أجواء من عبق دمشق, في ماضيها المفتوح على العراقة والجمال, ثم يحط بك في محطات أليمة ومشاهد الذكريات المدهشة, وينجو الكاتب من الموت مرات فدمشق تعني هذه النجاة إنها (متحف تاريخ وحياة).
بقي أن أشير إلى أن الكتاب وقع في (٢٢٤) صفحة من القطع العادي, وصدر عن اتحاد الكتاب العرب.
عبدالمعين محمد زيتون

التاريخ: الخميس 21 – 11-2019
رقم العدد : 17128

 

آخر الأخبار
ماجد الركبي: الوضع كارثي ويستدعي تدخلاً دولياً فورياً حاكم مصرف سورية المركزي: تمويل السكن ليس رفاهية .. وهدفنا "بيت لكل شاب سوري" عمليات إطفاء مشتركة واسعة لاحتواء حرائق ريف اللاذقية أهالي ضاحية يوسف العظمة يطالبون بحلّ عاجل لانقطاع المياه المستمر الشرع يبحث مع علييف في باكو آفاق التعاون الثنائي حافلات لنقل طلاب الثانوية في ضاحية 8 آذار إلى مراكز الامتحان عودة ضخ المياه إلى غدير البستان بريف القنيطرة النقيب المنشق يحلّق بالماء لا بالنار.. محمد الحسن يعود لحماية جبال اللاذقية دمشق وباكو.. شراكات استراتيجية ترسم معالم طريق التعافي والنهوض "صندوق مساعدات سوريا" يخصص 500 ألف دولار دعماً طارئاً لإخماد حرائق ريف اللاذقية تعزيز الاستقرار الأمني بدرعا والتواصل مع المجتمع المحلي دمشق وباكو تعلنان اتفاقاً جديداً لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا مبادرات إغاثية من درعا للمتضررين من حرائق غابات الساحل أردوغان يلوّح بمرحلة جديدة في العلاقة مع دمشق.. نهاية الإرهاب تفتح أبواب الاستقرار عبر مطار حلب.. طائرات ومروحيات ومعدات ثقيلة من قطر لإخماد حرائق اللاذقية عامر ديب لـ"الثورة": تعديلات قانون الاستثمار محطة مفصلية في مسار الاقتصاد   130 فرصة عمل و470 تدريباً لذوي الإعاقة في ملتقى فرص العمل بدمشق مساعدات إغاثية تصل إلى 1317 عائلة متضررة في ريف اللاذقية" عطل طارئ يقطع الكهرباء عن درعا تمويل طارئ للدفاع المدني السوري لمواجهة حرائق الغابات بريف اللاذقية