كثيرة هي الأبحاث والدراسات التي تناولت علاقة الشعر بالفن التشكيلي وعلاقته بالموسيقا والمسرح، وهذه العلاقة ليست بالطبع حديثة الولادة، بل تناولها الكثيرون بالتحليل والأمثلة الدامغة، فمنهم من كان على يقين بحتمية هذه العلاقة، ومنهم من جعل لها قواعد ومعايير تحكمها.
ومن الأقوال التي تناولت هذه العلاقة قول أحدهم: إن «الرسم شعر صامت، والشعر تصوير ناطق» فماذا يقول د. ثائر زين الدين في الندوة التي أقامتها جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب وبالتعاون مع الهيئة العامة السورية للكتاب ندوة بعنوان «علاقة الشعر بالفنون الأخرى» بمناسبة ذكرى تأسيس اتحاد الكتاب العرب، في مركز ثقافي «أبو رمانة» شارك في الندوة التي أدارتها الشاعرة هيلانة عطا الله كل من الشاعر د. ثائر زين الدين، الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي، والشاعر يحيى محيي الدين.
علاقة الشعر بالفن التشكيلي
في محوره الذي تناول في «علاقة الشعر بالفن التشكيلي» رأى الشاعر د. ثائر زين الدين أن الشاعر قد يوظف خبرته وثقافته الفنية بشكل خفي ودون استعراض، فلا تظهر على الإطلاق أسنان المبرد على الماسة التي ينتجها الصانع الماهر، وبين ذلك في قصيدة محمود درويش «شتاء ريتا الطويل»:
تنام ريتا في حديقة جسمها..
توت السياج على أظافرها
يضيء الملح في جسدي.. أحبك
نام عصفوران تحت يدي..
نامت موجة القمح النبيل على تنفسها البطيء.. ووردة حمراء نامت في الممر، ونام ليل لايطول..
وأضاف في حديثه عن قصيدة «شتاء ريتا الطويل» أن محمود درويش اشتغل على بنائها مثلما يبني الفنان التشكيلي لوحة زاخرة بالألوان المختلفة الحارة والباردة والمحايدة، وهو لايصرح دائما باللون ولكنه يكني عنه أو يستخدم الاستعارة والتشبيه ليستجلب في ذهن القارىء اللون الذي يرغب به.
وبين أن محمود درويش كان قد لعب اللعبة نفسها من قبل في قصيدة أخرى هي قصيدة «بيروت» التي يضع فيها القارىء ومنذ مطلع القصيدة أمام لوحة فنية سوريالية، لدرجة يتخيل فيها قارىء هذه القصيدة أنه أمام رجل يمسك فرشاة ألوان ومزاجة خشبية ويضع على لوحة قماشية أمامه ألوانا مدروسة بعناية.
علاقة الشعر بالموسيقا
بدوره أكد الشاعر د. نزار بريك هنيدي في محموره الذي تحدث فيه عن علاقة الشعر بالموسيقا أن العلاقة بين هذين الفنين هي علاقة بنيوية أصيلة، وبين أنه ليس من قبيل المصادفة أن الإيقاع هو القاسم المشترك بين النصوص الشعرية التي أنتجتها البشرية منذ أقدم العصور.
وأضاف: إن القصيدة قد تميل إلى تحقيق ذاتها أولا باعتبارها إيقاعا مستقلا قبل أن يكتمل المعنى، وبذلك تكون الموسيقا التي تنبع من النغم الأولي هي التي تعمل على تشكيل المعنى بطريقة أو بأخرى.
ويؤكد بدوره على مشروعية قصيدة النثر كحالة خاصة من الكتابة الشعرية، تماما مثل مشروعية الرقص الصامت كحالة من حالات فن الرقص، ويقول: كتبت الكثير في دفاعي عن حقها في الوجود ضد التقليديين المتعصبين الذين لايعترفون بها أصلا، ولكن الأصوات التي تتعالى اليوم وتعد قصيدة النثر ممثلا شرعيا وحيدا للحداثة الشعرية العربية، وترشحها لتكون الشكل الأوحد لشعر المستقبل، هذه الأصوات تثير دهشتي، فإذا كانت قصيدة النثر مازالت استثناء في موطن الحداثة نفسه كما يقول جان كوهين، فمن أين استقت تلك الأصوات يقينها المطلق بأن ساحة الحداثة الشعرية لاتتسع إلا لها؟
علاقة الشعر بالمسرح
ويقارب الشاعر يحيى محيي الدين في محوره علاقة الشعر بالمسرح ويرى أن الشعر يتقاطع مع المسرح في كونهما فنان موجهان للجماهير، ويتقاطعان أيضا في أغراض ووظائف كثيرة ومهمة، والشعر المسرحي هو لون من ألوان الفنون الأدبية ظهر حديثا، وأن المسرحية الشعرية هي كتابة مسرحية تم إعداد نصوصها وفق المواصفات والضوابط الشعرية، حيث تستند إلى القصيدة المقفاة وغير المقفاة كأساس لبناء النص المسرحي.
وفي ختام الندوة كرم مالك صقور رئيس اتحاد الكتاب العرب الشعراء المشاركين بالندوة، وقدمت الهيئة العامة السورية للكتاب عشرة كتب من مطبوعاتها لكل مشارك.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 21 – 11-2019
رقم العدد : 17128