«لنا الشمس والعصافير» مجموعة شعرية جديدة للشاعر عبد الكريم يحيى عبد الكريم الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب, التي يحاكي من خلالها واقعاً مريراً بتعابير بسيطه سهله تنم عن شفافيه واحساس عاليين وقدرة على التصوير المشهدي لهذا الواقع.
مما جعل الشاعر في مجموعته هذه الطبيعة منطلقاً لشعره مطلقاً العنان لحواسه وتخيلاته الممزوجه بالذكريات والحنين الى الماضي, وبذلك يكون الشاعر عبد الكريم قد جمع بين شقاوة الطفولة وحلاوتها التي تحن الى البساطه والأمل والأحلام الورديه مع قساوة الواقع الحاضر وارهاصاته, إضافة الى الخوف من المستقبل والقلق من المجهول, في ظل اليأس والمعاناة والحزن من خلال السنين العجاف التي مرّ بها وطننا الحبيب.
مآس وظروف تكاد تكون أشبه بالكوارث.. ولكن الشاعر حاول تصويرها بحسه الوصفي الجمالي الذي لايخلو من الأمل رغم انكسارات الروح والنفس.. كما جاء في قصيدة (لو):
لو أن القذائف تتركنا هنيهه..
لنتنفس هواء الربيع
لو أن القذائف
تتحول الى كرات من الورد الجوري
لو أن دخان القذائف يتحول الى عطر الخزامى
لو أن القذائف تنسان وترحل الى كوكب آخر
يلاحظ القارئ تكرار كلمة حلم في عدد من قصائد المجموعة وهذا يدلل على امتلاء النفس والروح بالعذابات اليومية من خلال المشاهدات والمتابعات التي تشكل روح المادة الشعرية وصياغتها بأسلوب محبب قريب من الناس.. فلهذا نرى الشاعر عبد الكريم حالماً بحياة جميلة.. حلم في الجمال..في الهدوء.. في الصفاء.. حلم يخرج من رحم المعاناة كما جاء في قصيدته (حلم):
تصبحين على حلم..
فليكن حلماً جميلاً
سيشتعل نهارنا بالفرح
وأنت تقصين حلمك على السهول
تقصين حلمك على الجبال
على الشوك والحجر
الملاحظ أن الشاعر جمع في مجموعته بين الاحاسيس والمشاعر المتناقضه في زمن صعب, زمن الغربة في احضان الوطن وزمن الصمت في وقت الكلام وزمن الحلم والأمل رغم أصوات الموت والأنين.. تناقضات أضفت على تلك المجموعة مسحة من التعقيد الممزوج بالبساطة وسهولة الفهم, حيث تدخل تعابيره طور الغرابة تارة وطور المألوف تارة أخرى, كما جاء في قصيدته (الوجع):
الوجع يهطل.. الوجع يتدفق
من مساحات الجدران.. ولا جدران
ومن السقف الواطئ.. ولاسقف
ومن العتمة
الوجع يلبسني قميصه المنسوج بإبرة الدمع
ألبس الشاعر قصائده ثوب الواقع والخيال في آن معا حيث التقط ماهياته من أرض الواقع, لقد حرص دوماً على رؤية انبثاق النور بالرغم من عتمة الوجع وظلام الافق, نور يود لو أنه يكون واقعاً وليس حلماً, واقع يوحي بالطمأنينه والأمان, وقد برز ذلك من خلال اللمسه الطفولية التي لم يغفل عن وضعها على مجمل المجموعة, هذا إن دل على شيء إنما يدل على إحساس صادق نابع من أعماق نفق مظلم يحلم آملاً بالضياء.
علاء الدين محمد
التاريخ: الجمعة 22-11-2019
الرقم: 17129