تبقى في التداول أسئلة أو تساؤلات مرة كثيرة ومتناثرة، وجميعها تقع في صلب العدوان على سورية أو في المحيط المتداخل مع هذا العدوان، ويبدو أن ما يحدث في سورية تحول إلى خزان لإنتاج الأسئلة دون الأجوبة، ومن ذلك هذا السؤال الكبير الذي يقول: لماذا هذا الإصرار على الدخول أو التداخل في العمل السياسي بصدد سورية والمنتشر على مساحة الكرة الأرضية؟
والجميع يعلم بأن هذا العمل السياسي لم يتبق منه سوى ريش وزغب بعد أن أخرجته القوى المعادية من أميركا إلى تركيا إلى أوروبا من دائرة الأثر والتأثير، وصار الخداع والكذب والتناقض ما بين الظاهر والباطن وما بين المعلن والمستتر غواية أميركية تركية، سرعان ما تحولت إلى أكاديمية فاجعة في علم السياسة النظري وفي السياسات التطبيقية على الأرض لكل من هذين البلدين، والمسألة فيها نظر وتحتاج إلى إعادة أجوبتها إلى عواملها الأساسية، لأنه ليس من الضروري أن نحكم على أي نهج معاق بأنه سلبي.
إن الزمن عنصر مهم في تفكيك الأزمات الكبرى في التاريخ، لأنه في النهاية لا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام وسوف نجتهد في صياغة جواب لهذا السؤال العالي والعاتي، والمسألة سورية بامتياز، أساسها التاريخ والإرث الوطني ومنظومة السيادة والكرامة ومشروعية الحق الوطني السوري في فرض حيثياته على كل المعارك والأنشطة سواء أكانت عسكرية أم سياسية أم إعلامية والوطن السوري معروف تاريخياً بأنه يقدم المثل والمثال، والحقيقة والحق ويطلق ذلك في مناخ العالم قديمه وحديثه ومعروف عن سورية تاريخياً كما وصفها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون قبل ثمانية قرون من ميلاد المسيح بأنها لا تنهزم، لا تجوع، لا تتبدد، ونلاحظ مباشرة أن كل البوابات التي مازال يسلكها العدوان الاستعماري الإرهابي إنما تتوضع في هذه العناوين الثلاثة، وسورية ليست ولادة بالمعنى البشري فحسب لكنها ولادة بالمعني القيمي والحضاري وإنجاز التجارب التاريخية وإهدائها على طبق من ورد ونور وذهب ودم زكي إلى كل العالم ونعود بثلاث فقرات في الإجابة عن السؤال المؤسس لهذه المادة.
1- إن الوطن السوري يشكل علامة فارقة وماركة مسجلة في مسألة الانتماء للسلام والحضارة وتضامن الدول والأمم ونشر مساحات خصيبة في الأماني والتفاعل بين الحضارات، وهذا مؤشر قوة لسورية العربية، لأنه نتاج الإيمان والتضحيات والوعي وبناء عوامل القوة المادية والمعنوية وليس كما يتوهم البعض بأن السلام بالطريقة السورية الماضية والقائمة هو خيار العجزة، أو أنه الجزء المتبقي الذي لابد منه والقبول بكل ضعفه وتناقضاته إن السلام خيار راسخ وباللغة السورية الدارجة هو خيار استراتيجي، وفي مثل هذا الصراع المحتدم في سورية وعليها لابد من إطلاق بواعث ومسارات سورية بذاتها وفي تعاملها مع الآخرين أظن أن العالم في أجزاء كثيرة منه بدا يصحو على منظومة القوة والسلام والقيم في المنهج السوري عبر النضال القائم وقد دنت ثمار هذا المنهج إذا سورية تفاوض بشرف وتقاتل بشرف ولا يغيب عنها لحظة واحدة استحقاقات السلام والسيادة الوطنية معاً.
2- إن خيار السلام والوطن عبر حريته ووحدته وسيادته لن يكون أمراً سهلاً أو اعتيادياً إن هذا المنحى هو الأعنف والأرسخ والأغلى كلفة ولاسيما عبر الشهادة والشهداء، ولكن المهم هنا هو أن تستقيم الذاكرة الوطنية والعالمية على قواعد السلام من جهة وثوابت الوطن من جهة أخرى، وهذا ما بينت عليه الأولويات في النظام السياسي والاجتماعي الذي أخذ مداه حتى تبلور واستقر، وأنتج هذه المسافات من الإنجاز إلى حد الإعجاز، وبقيت في ذاكرة العالم حية تلك المعاني والأبعاد التي عمدها الوطن السوري في ذاته وفي الآخرين وفي الظروف الخطيرة والمعقدة والتي مازالت تهب على هذا الوطن من كل أنحاء الأرض وللتدليل على هذا المعنى فإن المصطلح المكافئ للتضحيات السورية في العالم كله يقول: إن سورية وطن الشهداء ولم يعد المصطلح السابق الذي يقول إن المسألة تتصل بشهداء الوطن لقد كبرت مساحة الشهادة والشهداء وأضاءت ما حولها في الكون كله وصارت الشهادة هي العادي والمنتشر وهي العقيدة والتطبيق في كل بيت وفي كل أسرة في وطننا السوري.
3- وتبقى فقرة ثالثة ترتبط إلى حد العضوية بنهج الوطن السوري وبانعكاسات هذا النهج على شعوب الأرض بكاملها حيث تجتمع فيه مقومات القوة والسلام والشهادة والوعي ونظام الأولويات اليقيني والمستمر إنه برنامج امتد من الماضي السحيق إلى أبعاد الزمن القادم مروراً باللحظة القاسية الراهنة ولسوف يعلم ويتعلم المعتدون بأن التجرية السورية هي صياغة لكل العالم للأعداء قبل الأصدقاء ولكي يستفيق الأعداء على الأهداف والنهايات التي لا تلين ولا تغيب وعلى الأصدقاء والمندبين في الأرض لكي يستمر جرحهم ونضالهم.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 25-11-2019
الرقم: 17130