عندما قرر ترامب الانسحاب من سورية كان متردداً إلى أن تدخلت أجهزة الدولة العميقة لثنيه نهائياً عن فكرة الانسحاب التي ستجعله يبدو أنه خرج مهزوماً قبل تحصيل أي شيء سياسياً الأمر الذي سيلحق كارثة استراتيجية بأميركا الدولة القوية، ثم قامت بإغرائه وهذه نقطة ضعفه، وإن «داعش» أو ربما غيرها ستعود إليه، فكان لا بد من وجوده عبر وجود نحو 600 عسكري تكون مهمتهم الأساسية حماية عملية نهب النفط وفي ذلك تعويض لأميركا وفي الوقت عينه يؤمنون الدعم لمجموعاته.
وهكذا نجحت الدولة العميقة في منع الانسحاب الأميركي الكامل من سورية، باختلاقها مهمة جديدة تبرر هذا الاستمرار وصنعت واقع احتلال مباشر لأرض سورية قد يدوم طويلاً ينفذ خلاله نهب للثروة السورية.
أمام هذا المستجد فجر القائد الرئيس بشار الأسد قنبلة مدوّية في وجه أميركا جاءت في توقيتها المناسب ونوعيتها رداً على الاحتلال الأميركي لآبار النفط في الجزيرة السورية وسلّطت الأضواء على ما سيواجهه في الأيام المقبلة. إذ توعد الرئيس الأسد المحتل بمقاومة الشعب السوري مدعومة من الحكومة، ولاعتبارات عسكرية وعملانية لم يذكر صراحة الجيش العربي السوري الذي يقوم الآن بحربه على الإرهاب الذي تمارسه تركيا ومرتزقتها.
لقد كان الرئيس الأسد في تمييزه بين الاحتلالين الأميركي والتركي في منتهى الحنكة والواقعية بإسناده مواجهة الاحتلال الأميركي للمقاومة الشعبية المشروعة وفي الوقت ذاته لا يريد أن يزج بالجيش العربي السوري في مواجهة غير متكافئة، أما الاحتلال التركي فهو من مهمة الجيش مسنودا بالمقاومة إذا اقتضى الحال. وهنا ندرك أن مهمة المقاومة ليست تدمير الجيش الأميركي، بل تهدف إلى إنهاك هذا الاحتلال وتجعل كلفة وجوده عالية، وقد تنتج معادلة لا يريدها الأميركي وهي النفط في مقابل الدم.
وهنا يطرح سؤال مهم عن إمكانية تكوين مثل هذه المقاومة في هذا الوقت بالذات؟
المعروف أن المقاومة تتشكل في حال توافرت شروط تضمن استمرارها حتى تحقيق الأهداف أولها مبدأ رفض الاحتلال وإرادة المواجهة والتضحية، وبطبيعة الحال توافر البيئة الحاضنة والظهير الذي يؤمن الدعم المعنوي والمادي.
هذه العناصر حاضرة في سورية المقاومة، فهناك الخلايا المدربة من سكان المنطقة ومحيطها التي خبرت القتال طوال 9 سنوات من الحرب الكونية، والبيئة الحاضنة في طور التعافي وطنياً، أما الظهير فهو الدولة السورية وحلفاؤها ممن خبروا القتال ضد المحتل.
وهنا لا بد من التذكير بالمصالحة التي أطلقها الرئيس الأسد عندما أكد أهميتها في تمتين أواصر الوحدة الوطنية السورية مهما كانت الأعراق والأديان والتأكيد على تماسك الشعب في مواجهة الاحتلال حتى طرده، ومثل هذه المصالحة ستغلق الباب أمام أي تسرب للعدو وتضعه أمام خيار واحد وهو الانسحاب، فهو -أي العدو- لا يريد أن يدفع نقطة دم مقابل النفط.
إن سورية ستجد نفسها بعد الانتهاء من تحرير إدلب الموضوع على نار حامية لتطهيرها من الإرهاب، ستجد نفسها أمام احتلال أميركي لآبار نفطها وستجد أن ظروف تشكل المقاومة الوطنية لإخراجه باتت متوافرة.
لقد اختارت سورية المنتصرة في هذه الحرب اللحظة المناسبة لتقول لأميركا قائدة العدوان وفّروا على أنفسكم الخسائر والهزيمة المباشرة واخرجوا من أرضنا وتوقفوا عن نهب ثرواتنا.
وإن غداً لناظره قريب…….
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 26-11-2019
الرقم: 17131