منذ بداية العام الحالي والشركة العامة للأسمدة تحاول الإقلاع بكامل طاقتها الإنتاجية رغم قدم الآلات في معاملها الثلاثة (الكالنترو, الامونيا يوريا والسماد الفوسفاتي) التي أصبحت متهالكة وتحتاج لتحديث وصيانة كاملة, حيث تراكمت المشكلات الفنية منذ سنوات نتيجة اختلاف الإدارات والجهات الوصائية المتعاقبة وفقدان البنى التحتية الخاصة بمسألة معالجة التلوث والتراخي من قبل الجهات الوصائية بمسألة الاشتراطات البيئية, ثم جاءت الحرب على سورية ليتوقف المعمل ما تسبب بصدأ الآلات رغم إصرار المعنيين على أنهم يقومون بالصيانات اللازمة, وللمرة الثانية لهذا العام عاش أهالي قطينة يوما عصيبا, فالتلوث بلغ مداه وتسبب بالعديد من حالات الاختناق وصل بعضها إلى الإغماء.
واليوم يحاول العاملون في الشركة العامة للأسمدة إصلاح الأعطال المسببة لكل تلك الانبعاثات للإقلاع بالإنتاج من جديد. جدير بالذكر ان قرية قطينة الملاصقة للشركة والمطلة على البحيرة المدعوة باسمها تعاني مشكلات من نواتج الشركة والتلوث الخانق الذي تخلفه المعامل الثلاثة وخاصة معمل TSP الذي يستخدم الكبريت مادة أساسية في إنتاجه ويطرح أثناء تشغيله كميات كبيرة من غاز SO2 ثاني اكسيد الكبريت الخانق في الأجواء وفق ما أكدته الدراسات البيئية.
انبعاث الغازات المضرة مستمر
في آذار الماضي استلمت الشركة الروسية (إس تي جي اينجينيرينغ) شركة الأسمدة كمستثمرة ومطورة لها في الوقت ذاته واستبشر القاطنون خيرا بأن يتوقف انبعاث الغازات المسببة لكل هذا التلوث لكن الذي حدث أن الجانب الروسي بدأ بتشغيل المعامل بالطاقة القصوى ودون إجراء أي صيانة تذكر وفق ما صرح لنا به العاملون والفنيون في الشركة وإصرار الجانب الروسي على الإنتاج رغم مضي الشهرين التجريبيين.
في بلدة قطينة وفي مركز الرعاية الاجتماعية يتم توزيع أجهزة للأطفال المصابين بالربو والأمراض التنفسية المزمنة بالمجان كمساعدة من منظمات دولية للقرية وللقرى المحيطة بها, وهناك التقينا بعدد من القاطنين تجاوزوا السبعين من العمر وبدت علامات التأثر كبيرة على وجوههم ومما قالوه: لا نعلم إلى متى سوف نظل نعيش تحت رحمة الملوثات التي لم تسلم منها حتى مزروعات منازلنا وقال أحدهم: كان هناك غابة من الكستناء بالقرب من البحيرة غاية قي الجمال واليوم وكما ترون فإن البحيرة هجرتها الطيور ولم يعد هناك من أسماك ورأينا كيف أن عددا من الأطفال كانوا يجرون جلسات الإرذاذ في المركز الصحي وكانت السماء في ذلك اليوم تمطر الأهالي من ملوثات معمل الأسمدة.
الأطفال عرضة للأمراض التنفسية
الدكتور هاني رومية اختصاصي في طب الأطفال قال: تأتينا وبشكل دائم حالات تنفسية حادة نتيجة استنشاق أبخرة وملوثات مصدرها الشركة العامة للأسمدة وبعض الحالات نوبات ربوية شديدة, وهنا نستخدم أجهزة الإرذاذ بكثافة حتى أنه لم يبق بيت في قطينة تقريبا إلا ولديه واحد من تلك الأجهزة وقد تم توزيع أكثرها من منظمات دولية وهذا مؤشر على الخطر الداهم والمستمر الذي تعانيه منطقة قطينة ككل من التلوث وما يخلفه من أمراض صدرية مزمنة هذا عدا عن السرطانات المنتشرة, ويوميا نستقبل عشرات الحالات, وفي شباط الماضي من هذا العام استقبلت في قطينة لوحدها أكثرمن 50 حالة تتعلق بالملوثات البيئية التي نستنشقها ونراها ذات رائحة ولون وطعم يعلق في الصدور.
دخان في المدرسة
الآنسة مريم مطانيوس وهبة مديرة مدرسة هيثم خولي قالت: في صبيحة يوم الجمعة 10/11/2019 فوجئنا بدخان المعمل الكثيف داخل المدرسة وفي الجوار وكان الأطفال المصابين بأمراض تنفسية هم الأكثر تضررا, وعلى الفور قمنا بإخبار المسؤولين في البلدة و قدمنا الإسعافات الأولية للطلاب ومن ثم قمنا بصرفهم إلى بيوتهم خوفا عليهم من الانبعاثات الغازية من المعمل لافتة أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها المدرسة لمثل هذا الأمر منذ بداية العام الدراسي, والأمر ذاته ينطبق على كافة مدارس البلدة وحسب اتجاه الريح منوهة إلى أنه ورغم أهمية تشغيل المعمل من الناحية الاقتصادية إلا أن الأرواح تبقى هي الأهم لاسيما بعد ظهور آثار التلوث واضحة على صحة الطلاب وخاصة مرضى الربو منهم, وطالبت بإيجاد حل نهائي لهذه المشكلة القائمة منذ سنوات.
أين المعمل البديل؟
من جهته ثائر جروس رئيس بلدية قطينة قال: كانت الغازات المنبعثة من الشركة العامة للأسمدة لا تطاق وقد تسببت بالكثير من حالات الإختناق والإغماء في المنطقة الشرقية من القرية وتعاني قطينة من مشكلات التلوث الناجمة عن معمل الشركة العامة للأسمدة منذ عشرات السنوات, من دون أي حلول على أرض الواقع رغم طرح المشكلة رسميا وإعلاميا وفي أكثر من مناسبة, والتلوث لايزال يوثر بشكل كبير على صحة المواطنين وكل ماله علاقة بالهواء والتربة والمياه الجوفية وقتل كل مظاهر الحياة في بحيرة قطينة وفي محيطها, وباءت كل الحلول المقترحة لإنقاذ البيئة في هذه المنطقة الهامة بالفشل, ومن المعلوم أن معمل الـ TSP هو من المعامل الملوثة لكل ما حوله باعتراف الجميع وسيبقى ملوثا حتى وإن تم إجراء تعديلات عليه, فلماذا لا يتم إنشاء معمل بديل, ولماذا لا ينظر أحد إلى وضع قريتنا, وما تعانيه من الملوثات التي يطلقها المعمل باستمرار متمنيا أن يتم إنقاذ هذه البلدة وأهلها, خاصة وأن الكثيرين منهم أصيبوا بأمراض صدرية مزمنة غير قابلة للشفاء.
أمراض مزمنة
أما الدكتور نبيل وهبة مدير العيادات الشاملة في بلدة قطينة قال: لا يخفى على أحد آثار التلوث الصحية الناتجة عن معمل السماد جراء انطلاق الغازات من معمل الأسمدة المجاور ما أدى إلى زيادة الأمراض وخاصة الصدرية, التنفسية والقلبية الوعائية, إضافة للأمراض السرطانية حسب الدراسة الموثقة التي أجريتها بنفسي وأوضحت فيها تزايد نسبة الأمراض وخاصة السرطانية منها زيادة عن بقية المناطق وأضعاف النسبة العالمية وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية, عدا عن زيادة نسبة العقم وارتفاع نسبة الوفيات سنويا عن النسب العالمية ما يؤكد آثار المعمل السلبية على صحة الإنسان, وما حصل يوم الجمعة كان كارثيا حيث وصل الدخان والغازات إلى داخل الصفوف والباحة المدرسية تسبب بحالات تشنج قصبي و إقياء وصلت إلى حد الإغماء نتيجة الغازات المخرشة للقصبات وبدورنا قدمنا الإسعافات اللازمة للطلاب البالغ عددهم 63 طالبا والموثقة أسماؤهم لدينا منوها إلى أن الأهالي باتوا يعرفون الإسعافات اللازمة ومعظمهم يقتني أجهزة الإرذاذ داخل منازلهم وتتم الحالات الخطرة فقط لمركز العيادات الشاملة
أضرار المزروعات
من جانب آخر بديع عطية عضو مجلس اتحاد الفلاحين وعضو مجلس محافظة حمص تحدث عن تفاقم الآثار السلبية على الأراضي الزراعية وعلى المزروعات قائلا: تعاني البلدة من التلوث البيئي منذ سنوات طال الأراضي والمحاصيل الزراعية والمياه الجوفية أيضا وذلك حسب التحاليل والدراسات التي أكدت جميعها زيادة نسبة التلوث في مياه بحيرة قطينة ونفاد الثروة السمكية منها, أما المزروعات التي تعتمد على الري فقد تعرضت للتلف بشكل كامل وكان الفلاحون يقيمون الدعاوى على المعمل, وتقدر لهم الأضرار على أساسها وخلال السنوات الأخيرة تعاظمت المشكلة وزادت الأضرار التي تسببت بحرق مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة علما أنها من المصادر المهمة لمعيشة السكان, ناهيك عن الأضرار الصحية التي زادت نسبتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وبعد توقيع عقد الاستثمار مع الشركة الروسية أملنا خيرا باتخاذ الإجراءات الفعلية لإعادة تأهيل المعمل والإقلاع به من جديد من دون آثار ملوثة وما تبين لنا أن الشركة لا تهتم بهذا الأمر, ونوه عطية إلى أنه تمت مخاطبة الجهات الرسمية لاتخاذ ما يلزم حيال كل هذه السموم التي يطلقها المعمل على بلدة قطينة وأراضيها الزراعية, وقامت مديرية البيئة في حمص بإجراء دراسة أكاديمية عن آثار التلوث ومسبباته, نسبته ونواتجه واقترحت حلولا مؤقتة كإجراء الصيانة والحلول الاستراتيجية على المدى الطويل.
جابر مرعي أمين الفرقة الحزبية في قطينة تحدث عن الآثار السلبية للغازات المنبعثة من معمل السماد على الرياضيين ونادي قطينة الرياضي المجاور للمعمل المشهود له بإنجازات لاعبيه على مستوى القطر والمحافظة, وتحدث عن الآثار الضارة بالتربة والمياه غير الصالحة للشرب أو للاستخدامات المنزلية.
أخطاء تقنية
كما أكد المهندس المتقاعد حبيب شليل (معمل الأسمدة سابقا) أن المعمل تم وضعه في الخدمة منذ عام 1982 بآلات رومانية قديمة الصنع وخاصة قسم الكبريت (TSP) المؤلف من ثلاثة أقسام الطحن والتخزين, الفوسفور والقسم المنتج لحمض الكبريت الذي يتحول إلى سائل وبعدها إلى غاز يتم امتصاصه ضمن القسم متحولا إلى حمض الكبريت ونتيجة لقدم الآلات أصبحت غير قادرة على تحمل الضغوط والحرارة المرتفعة عدا عن تعطل المضختين ما يعني أن كامل الغازات التي يفترض أن تتحول إلى حمض داخل القسم اتجهت إلى المدخنة ما تسبب بتفاقم الأضرار الحاصلة حاليا, وبعد استلام الشركة الروسية تم تبديل الأنابيب الناقلة للغاز إلى الطبقات التي لا يتجاوز أداؤها لأكثر من 40 بالمئة لافتا إلى أن الغازات التي لا يتم امتصاصها وتنساب عبر المدخنة هي التي تشكل الضباب والدخان والروائح الضارة والمزعجة وهي في الوقت ذاته قابلة للتفاعل مع الجو الخارجي والحل الوحيد أن يتم امتصاصها داخل القسم من خلال الطبقات التي تحولها إلى حمض دون أي تسرب وتوفيرا للهدر الحاصل حاليا وفي حال تمت هذه العملية بنجاح ينتهي موضوع التلوث بشكل كامل.
استقدام آلات حديثة
عن الإجراءات المتخذة من قبل الشركة للحد من الملوثات حدثنا المهندس محمد حمشو مدير عام الأسمدة قائلا: إن الشركة الروسية تجري حاليا صيانة لقسم الكبريت الذي تنطلق منه الانبعاثات الغازية المؤذية للجوار وفي حال تمت الصيانة بشكل جيد وكانت نتائجها جيدة على العاملين في القسم والقاطنين سوف يستمر العمل، وفي حال ثبت العكس سيتوقف المعمل بشكل نهائي ريثما يتم إجراء صيانة كاملة من قبل الشركة الروسية المستثمرة للمعمل وصاحبة القرار فيه, مؤكدا أن عمليات الصيانة تحتاج لوقت طويل, وفيما يتعلق بنقل المعمل بعيدا فهذا ليس من صلاحياتنا لافتا إلى أن الشركة الروسية تعمل حاليا على استقدام معدات وآلات حديثة وهناك توجيهات حكومية لتسهيل عملها وخاصة فيما يتعلق بالتخليص الجمركي ومما قاله: نستطيع طمأنة الجوار على المدى البعيد ولا نستطيع ذلك على المدى القريب علما أن الشركة الروسية على دراية تامة بهيكلية المعمل من خلال التوصيف الفني الذي قدمناه للمعدات والآلات الموجودة حاليا, ويوجد حاليا في الشركة 50 عاملا فنيا روسيا من كافة الاختصاصات مشيرا إلى أن الشركة ستعمل على إيجاد الحلول المناسبة لسكان القرى المجاورة.
اجتماع في بيئة حمص
بدوره أكد المهندس طلال العلي مدير البيئة في حمص, أن اجتماعا عقد في المديرية بحضور مدير الصناعة ومدير عام الشركة العامة للأسمدة الفوسفاتية والازوتية ورئيس بلدية قطينة وممثل عن مجلس محافظة حمص والفنيين في مديرية البيئة تم فيه استعراض واقع العمل في شركة الأسمدة وتحديد أسباب التلوث الناجم عن تشغيل المعمل ووضع الإجراءات والحلول الفنية الواجب على الشركة المستثمرة اتخاذها وتنفيذها قبل البدء بالاستثمار الفعلي وستتم المتابعة لتلك الإجراءات لحين تنفيذها وإنهاء مشكلة التلوث في الوسط المحيط نهائيا.
تعويض الأضرار
لمعرفة ما اتخذه اتحاد الفلاحين من إجراءات التقينا يحيى السقا رئيس اتحاد الفلاحين في حمص الذي قال: إن معمل السماد الآزوتي في حمص منشأة اقتصادية هامة, بما يوفره من الأسمدة اللازمة للفلاحين لكن وجوده المجاور للمناطق السكنية يتسبب بأضرار كبيرة جراء الانبعاثات الغازية منه وخلال جولتنا الميدانية إلى الأراضي الزراعية في بلدة قطينة بتاريخ 13/3/2019 لاحظنا تفاقم الأضرار التي تجاوزت ال80 بالمئة مما انعكس على المحاصيل الزراعية والإنتاج الزراعي وبناء على ذلك خاطبنا الجهات المسؤولة ومديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في حمص التي خاطبت بدورها وزارة الزراعة بكتابها رقم 571/ش ز الموجه إلى وزير الصناعة المتضمن الأضرار الواقعة على المزروعات في بلدة قطينة جراء الغازات المنبعثة من الشركة العامة للأسمدة.
الوصول إلى الطاقة التصميمية
الدكتور أسامة أبو فخر المدير العام للمؤسسة الكيميائية قال: إن الهدف الأساسي من إبرام العقد مع الشركة الروسية إس تي جي اينجينيرينغ هو الوصول إلى الطاقات التصميمية ما تسبب بزيادة الانبعاثات الغازية وهدفنا حاليا تحسين الوضع البيئي ومعالجة مشاكل التلوث, لاسيما وأنه قائم منذ عدة سنوات وطالبنا خلال الفترة الراهنة بإجراء صيانة فورية للحد من نسبة الضرر خلال مدة أقصاها تسعة أشهر سيتم خلالها استقدام آلات ومعدات حديثة علما أن مدة الصيانة الكاملة والشاملة سوف تستغرق عامين وريثما يتم ذلك نتخذ إجراءات إسعافية وفي حال عدم جدوى ذلك سنوقف العمل وإذا لم تلتزم الشركة الروسية بغايات وأهداف العقد سنعمد إلى فسخه بشكل نهائي.
ابتسام الحسن
التاريخ: الأربعاء 4-12-2019
الرقم: 17138