أيمــــن زيـــــدان قنـــــاص اللحظــــة في (درب الســــــما)

 

كادت عيناه أن تنطقا بأحرف من لهيب ونار, تُخبئان حزنا دفينا عمقه عمق الحياة, وفي اللحظة نفسها تلمعان ببريق أمل يحاول تلمس طريق النور, تقدحان بشرار التحدي والإصرار على الاستمرار والمضي إلى الأمام.. هكذا بدت عينا الفنان المبدع أيمن زيدان الذي جسد في دور (الأستاذ زياد) حالة المتمسك بمبادئه الأصيلة والمُدافع عن الخير الموجود داخل كل منا في وجه كل ما يحمله العالم من قبح, لا يهاب الخوف وإنما يحمل بين ضلوع صدره كماً كبيراً من القوة النابعة عن إيمان بالهوية والانتماء والمفاهيم النبيلة التي تخط للمجتمع طريقه (هويتك في قلبك), تلك الشخصية التي حملت من الهموم والآلام فوق ما تحتمل ورغم ذلك رأت في (الغناء) حبل خلاص, لقد انتصرت للحياة وللحب غير آبهة لكل الموت المحيط بها.
مع كل خط رسمه الزمن على وجهه ومع كل انحناءة هناك صرخة تنتفض رافضة القهر والهروب, متمسكة برائحة المكان, رغم رائحة الموت التي باتت تفوح تارة بفعل الارهابيين الذين حملوا السلاح وكفرّوا الآخرين وتارة بفضل من تسلّقوا على الحرب وكانوا تجارها بامتياز, هما وجهان لعملة واحدة كما قدمهما فيلم (درب السما) الذي عرض مؤخراً في دمشق بعد نيله ثلاث جوائز في مهرجان الاسكندرية السينمائي هي: جائزة أفضل سيناريو عن مسابقة الأفلام الدولية، في مسابقة الأفلام الطويلة, جائزة «نور الشريف» لأفضل فيلم, جائزة أفضل ممثل للفنان أيمن زيدان, والفيلم من إخراج جود سعيد, تأليف مشترك بينه وبين أيمن زيدان وسماح القتال ورامي كوسا, وإنتاج المؤسسة العامة للسينما.
الشخصية المحورية كانت (الأستاذ زياد) التي قام الفنان أيمن زيدان بتفكيكها وإعادة تركيبها بروحه المُحملة بأثقال الألم, فجاءت من رحم الحياة, اقتنص فيها كل لحظة لتشكل بحد ذاتها حياة بكل ما تحمل من قهر ووجع وحسرة وذكريات وموت وبكل ما فيها من أمل وحب ونظرة لغد يتوق إليه بشغف, حُمّلت في كل جزء منها بهموم الكثيرين عبر فيلم يمكن اعتباره في الكثير من الأماكن توثيقا دراميا يقارب بمصداقية عالية مجريات الحرب على سورية, يتلمس تفاصيل مغرقة في وجعها وإنسانيتها, يتلمس دفئا يفيض بالمشاعر, يُظهر بحرقة كيف انقلبت المفاهيم فجأة ليمسي الأخ عدواً والجار طالباً للدم, دون أن يغفل إظهار حرارة النموذج الآخر الذي بقي متمسكاً بالنسيج الواحد للمجتمع.
الفنان أيمن زيدان الذي قدم شخصية تلاحقها الهزائم والمآسي ورغم ذلك تبقى متمسكة بالحياة, عكس عوالمها الداخلية معبراً عن كل خلجة من خلجاتها حتى من خلال النظرة وحركة الأعين, وإضافة لما قدمه حضور كقيمة مضافة, فقد امسك بين يديه أسلحة قوية تمكّنه من المجابهة للخروج بشخصية تحمل كل هذا التوق إلى الخير والنور, فكان بين يديه نص متماسك محبوك بشغف وذكاء عبر آلية بنائه والتعاطي مع الزمن والحدث, وكثيراً ما حمل الحوار عبارات ترقى لمستوى الرؤى الفكرية ممتلكاً في العديد من مفاصله ناصية (الفلسفة) في المقولة المنطوقة والتي تبنتها الشخصية لتنسجها بروحها وتعيد تصديرها بدفق عالٍ من الإحساس المرتكز على أساس متين, هذا الأساس الذي امتد للصورة فعكس مقولة (السينما سحر), هكذا تعامل معها المخرج وقدمها في فيلمه مشاهد مرسومة بريشة تفيض شاعرية حتى في أشد اللحظات قسوة, بكل ما حملت من دلالات تحفر في عمق الروح والوجدان, كما وازن المخرج بذكاء بين جرعتي الرومانسية والقسوة, بين التراجيديا والكوميديا السوداء, وبين الحب والأمل من طرف والمأساة التي عاشتها الشخصية من طرف آخر.
(درب السما) المشغول بحب, كما ظهر جلياً على الشاشة, يعكس مفهوم العمل الجماعي تحت قيادة مخرج يدرك إلى أين يأخذ سفينه, أما المبدع أيمن زيدان فكان لسان حال الكثيرين بقدرته على تقديم شخصية من لحم ودم ومشاعر, امتلكت القدرة الوصول إلى المتلقي بسلاسة وصدق.

فؤاد مسعد
التاريخ: الأربعاء 4-12-2019
الرقم: 17138

 

 

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد