ثمة وقائع تثير الدهشة في سياق أزمة الأسعار وكل ما يحدث في الأسواق وأيضاً بعض ما تقوم به الجهات المعنية ولا سيما ما يتعلق ببعض الإجراءات التي تأتي كما يعلن عنها بأنها في مواجهة ومكافحة الجشع والاستغلال.
وهنا أريد أن أتوقف عند مثالين من واقع الحال.
الأول: القرار الذي صدر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ويلزم الباعة بإبدال أو إرجاع البضائع خلال أسبوع من شرائها، أو إعادة قيمتها للمشتري في حال اكتشف عيباً فيها. والسؤال هنا: هل المشكلة في إبدال البضاعة أو إرجاعها، وهل معاناة المواطن مع هذا النوع من البضاعة أم أن المشكلة الأساسية في المواد الغذائية والاحتياجات المعيشية اليومية التي لا يمكن إرجاعها بعد الشراء إضافة إلى ارتفاع أسعارها؟!.
والمثال الثاني المدهش أيضاً أن مجلس الوزراء طلب من وزارتي المالية والداخلية تشديد الإجراءات لمنع دخول المواد المهربة إلى الأسواق ولا سيما الأغذية التي تشكل خطراً على صحة المواطن.
والسؤال هنا: عندما نعجز عن منع دخول هذه المواد عبر الحدود نظراً لطبيعة الظروف التي تمر بها البلاد ووجود معابر غير شرعية. كيف نفسر أو نبرر عجزنا عن ضبط ومصادرة هذه المواد وهي موجودة أمام الجميع في الأسواق بدءاً من البضائع والمواد التركية مروراً بالمعونات التي تباع وأصبحت للمتاجرة وانتهاء بفلتان الأسعار وعدم قدرة الجهات الرقابية على ردع الاستغلال الذي يحصل علناً.
من هنا نقول إن أصل الحكاية هو أن كثيراً من المواطنين ينظرون إلى التجار بعين من عدم الثقة ويحملونهم مسؤولية ارتفاع الأسعار والحقيقة أنه لا أحد ينفي وجود بعض التجار ممن يستغلون الفرص في غياب قواعد تنظيم السوق والرقابة المنظمة على أدائها لتحقيق الأرباح شأنهم في ذلك شأن البعض من غيرهم في المهن الأخرى.
لكن الصحيح أيضاً أن عدم قيام الأجهزة الرسمية بدورها الكفيل بإغلاق المنافذ والفرص أمام من لديهم الاستعداد لاستغلالها، فالجهات الرسمية المعنية هي الأقدر على الحصول على البيانات والمعلومات الخاصة بتكاليف إنتاج السلع المحلية وأسعار السلع المستوردة وتكاليف شحنها، ومن واجبها بناء نظام معلومات خاص بذلك يتضمن قواعد للبيانات التي تحتاجها بهذا الخصوص ونظراً لغياب ذلك نرى اليوم التجار يضربون بتعليمات وإجراءات الحكومة المتعلقة بضبط الأسعار عرض الحائط ويرفعون الأسعار وسط حضور شكلي وإعلامي للرقابة وارتفاع جنوني للأسعار على أرض الواقع بمعنى أن فعالية المراقبة تكاد تكون معدومة والضحية هو المواطن. إننا نمر بظروف اقتصادية صعبة وحصار جائر وحرب عدوانية ظالمة ولكن هذا ليس عذراً يسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى درجة الفلتان وتكون الأسعار في مكان بينما الإجراءات والبيانات والقرارات في مكان آخر لا يرد عليها.
يونس خلف
التاريخ: الثلاثاء 10 – 12-2019
رقم العدد : 17142