الملحق الثقافي-سلام الفاضل:
كنت أهرولُ
نحو تلك الطاولةِ
على عجل
المارةُ كانوا يتناثرون
من حولي
كأعجازِ نخلٍ خاوية
الوجوه أمامي واحدة
والطرقاتُ باتت متشابهة
وواجهاتُ المحالِ متشابهة
والإسفلتُ يئن
تحت وقع خطواتي
والأرصفةُ تتشبثُ بالأرصفة
وأنا دون وعي كنت أنطلقُ
نحو موعدٍ جاءَ على عجل
نحو ميلادٍ جاء
بمحضِ المصادفة
في زاويةِ مطعمٍ مكتظٍ
كان جالساً
كوهمٍ أضحى حقيقةً
كحلمٍ أخذَ يغازلُ أجفاني
كغيومٍ تكدستْ
في سماءٍ بعيدة
كان جالساً بسكون
لا ينتظرُ شيئاً
لا يفعلُ شيئاً
لا يتوقعُ شيئاً
وكأسُ الشاي أمامه
تموتُ ببطءٍ
تنازعُ ببطءٍ
تتلفظُ أنفاسَهَا ببطءٍ
دون أن يفكرَ باحتسائها
فينقظها من جحيمِ
موتها المحتوم
وعلبةُ السجائرِ الهاجعة
في هدوئها
كانت تأمل أن يسرقَها
من وحدتها
أن يخطفَ منها سيجارةً
ويشعلَها
أن يبثَ الحياةَ في أوصالها
أن يسلبَها من فداحةِ عزلتها
ولكنّ أيّاً من هذا لم يكن
فالمكانُ كان مكتظاً
وهو كان في صمته
يقبعُ بسكون
جلستُ بين يديه كطفلةٍ
في سنواتها الأولى
تتلعثمُ تارةً
تشاكسُ تارةً
وتحتمي بالصمتِ أحياناً
وتضحكُ بغباءٍ أحياناً
وبأناملَ أرادت
أن تهربَ من يدي
أخذتُ أداعبُ فنجانَ قهوتي
لعلي أهدئ من روعي قليلاً
لعلي أجذبُ اهتمامَه قليلاً
لعلي أكسرُ الجليدَ قليلاً
فأنا ما كنت يوماً بهذا الجُبنِ
ولم يكبلني رجلٌ هكذا
حدَّ الذهول
سئمتُ الانتظارَ معه
سئمتُ موعداً
على قصره طال
فقررتُ أن ألملمَ ذاتي المبعثرة
وحروفي المبعثرة
وأشيائي المبعثرة
وأحضرت يدي
التي رحلت إليه
وغادرته بسكون
فقد يكون هناك
من موعدٍ آخر يجمعنا
أو قد لا يكون
التاريخ: الثلاثاء24-12-2019
رقم العدد : 979