ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علـي قاسـم: تتعدد المقاربات التي تتبناها قوى ودول كانت حتى وقت قريب ترفض من حيث المبدأ النقاش خارج دائرة صورتها الافتراضية، وتستبعد تلقائياً أي طرح لا يحاكي منطق افتراضها المسبق، أو يحاول الإضاءة عليه من زاوية قد تتباين مع ما رسمته، وظلت المماحكات الغربية تداور خلف سراب أوهامها التي زرعتها تلك الصورة المسيطرة على القسم الأكبر من السياسة الغربية، ومراكز صنع القرار فيها.
وفيما يبدأ التقاطر الغربي تباعاً بعد إشهار التقارب الروسي – الأميركي، جاءت التفسيرات المتباينة، وكأنها محاولة أخرى للالتفاف، تريد من خلاله توزيع الرسائل التي عجزت عنها بشكل مباشر، في وقت لم يعد فيه من الصعب فهم الاحتياجات التي تتطلبها العملية عبر جملة من الإجراءات الموازية.
وتطفو على السطح، مفردات تحاول الاصطياد في الماء العكر تحت مسميات تختلف باختلاف الجهة، وتتباين حسب الظرف والحاجة، وهي في مجملها تعكس محاولة تكييس لوجه بشع امتد طوال السنتين الماضيتين حسب عناوين تتبدل بتبدل المناخ الدولي.
على هذه القاعدة، كانت اتصالات لافروف حول ضرورة التعبئة السياسية في المنطقة وخارجها كي يسلك المسعى الدولي مساره الحقيقي، وبالتالي استباق محاولات العرقلة الناتجة عن رغبة واضحة لا تخطئها العين لدى قوى وأطراف لا تريد ولا ترغب في الحل السياسي، بل تجد فيه ضرراً بالغاً يحبط كل ما عملت عليه وما دفعت من أجله.
لكن ربما كان المطلوب قبل هذا، أبعد قليلاً، ويصب في نهاية المطاف في خانة الدور الأميركي وما يقتضيه من إعادة برمجة لأدواته للتكيّف مع الحال الجديدة، ويتلاقى في الحصيلة النهائية مع ماهو مطلوب من المبعوث الدولي، باعتباره قد يشكل بوابة جديدة تتيح له إصلاح ذات البين مع تاريخه وسجله الدبلوماسي، كما انه يلتقي مع دور الامم المتحدة في القيام بمسؤولياتها حيال الإرهاب ، وهو ما كانت تقتضيه مهمته بالأساس، العمل على وقف التحريض والتسليح وتهريب المسلحين والإرهابيين، وتدريبهم واحتضانهم.
عند هذه النقطة بالتحديد تتقاطع الأدوار جميعها وتتلاقى على مفارق واضحة يصعب فيها أخذ الموضوع خارج سياقه، أو الحديث بعيداً عن متطلباته، حيث تبرز إلى العلن الحاجة الواضحة والصريحة بالعودة إلى جذر القضية المتمثل بوجود الإرهاب وما يقتضيه من مسؤولية مباشرة في التصدي له، إذ جاء كعنوان مباشر في التقارب الروسي- الأميركي وما يتطلبه للحيلولة دون تسرب بعض شوارده القائمة في دول المنطقة وتحديداً المعروفة بدورها في رعاية الإرهاب.
المسألة ليست قضية فرز أفقي أو عمودي، بقدر ما تعنيه في الجوهر البناء على مفاهيم قابلة للتداول بعيداً عن التفسيرات المطاطة التي يراد من خلالها الإبقاء على بؤر للتلاعب بالمصطلحات، حسب حاجة بعض الأطراف والدول التي ينحسر دورها وينكمش تأثيرها خارج حدود دعم الإرهاب والإرهابيين.
ليس من السهل أخذ الأمور في سياقها دون الربط بين ما يجري ومرارة التجربة على مدى الأشهر الماضية، حين كان التعويل الغربي قائماً على الإرهاب لتحقيق مآرب سياسية عجز عنها التهويل والمبالغة والاستهداف، وكان من الواضح أن لدى الدبلوماسية الروسية ما يكفي من دلائل للحيطة دون العودة إلى المربع الأول، وهذا ما اقتضى العزل الكلي بين منتجات الإرهاب ومخرجات الدول الداعمة له، والحاضنة للإرهابيين، وبين التعبئة السياسية الموكلة للمبعوث الدولي.
وفي الوقت ذاته لا تبدو المقاربات الغربية عموماً عاجزة عن فهم ضرورات العزل التي تستدعي خطوات عملية مسبقة، لإغلاق منابع دعم الإرهاب وتجفيف مصادره السياسية، لأنها بدأت تتلمّس مخاطر وتدرك إرهاصات المرحلة القادمة بتداعيات النزوح المبكر للإرهاب نحو أراضيها، وهي معنية بمنعه والحيلولة دون وصوله، حتى لو اقتضى الأمر إعادة برمجة علاقاتها ومقارباتها مع أدوات استنفدت أغراضها.
ندرك أن المسألة ليست تراجيديا أو فصلاً مسرحياً لا بد من خاتمة لكثير من مشاهده، ولا هي انعطافة كلية، لكنها في النهاية تصلح لأن تكون محاكاة جديدة لواقع فرضته معطيات الصمود السوري، وبددت الكثير من زوائده الضارة، تطورات في الميدان من خلال المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، وما تمليه من مسؤولية دولية لا بد من حضورها عاجلاً أم آجلاً.