يوم عالمي للغة العربية وآخر للغة الأم وها نحن نحتفي باليوم العربي للغتنا، اي ثلاثة أيام للغة، يومان منها للعربية.. عالمي وعربي.. فما حال لغتنا وكيف تبدو؟
أسئلة لابد من طرحها ليس للإجابة عليها ولا ندعي أننا قادرون على فعل ذلك لكن الواقع اللغوي الذي يتمثل امامنا ينبىء بكل مظاهر الوهن الذي تعيشه لغتنا بل لنقل نعيشه نحن.
ان جولة سريعة على المشهد اللغوي في المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية في الإعلام والمنازل وفي العالم الأزرق تصدمنا بلا شك بما هو موجود، خليط لغوي غريب عجيب من كل حدب وصوب.. سادت اللهجات العامية التي بدورها تشظت إلى عاميات أخرى وابتعدت مفرداتها التي كانت قريبة من الفصحى واحتل الحرف الأجنبي المكانة على الواجهات التجارية والاقتصادية وغدا كل من يكتب حرفين كباحث في مادة ما يزينها بمصطلحات أجنبية أحياناً كثيرة لا يعرف معناها.
اما الذائقة اللغوية وتنمية الثروة اللغوية لأطفالنا فهذا أمر وصل حد التسطيح.. غابت اللغة البسيطة الشفافة التي كانت ذات يوم في اناشيد سليمان العيسى ونزار قباني وغيرهما ويرددها الطفل كأغنية يترنم بها لتترسخ في الوجدان وحل مكانها عقم لغوي لا أحد يدري كيف جاء ومن المسؤول عنه والحجة جاهزة «التطوير».
وفي مناهج المرحلتين الإعدادية والثانوية الامر ذاته، لغة خشبية وغياب للنصوص الخالدة وجعل التلاميذ تائهين في متاهات الأسئلة التي تشغلهم عن كل تركيز جمالي.
أما الفضاء الأزرق الذي حل علينا بدلاً من أن يكون نعمة للثقافة والفكر والقدرة على المنافسة في المشهد العالمي، صار وبالاً على كل شيء من اللغة إلى المجتمع فالثقافة والتربية وغيرها..
حاول أن ترصد ما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع باللغة العربية فستجد أن اللغة العربية غدت ألف لغة والأخطاء التي يتعمد البعض فعلها تتخذ منحى تصاعديا.. مثل كتابة: (انتِ بالياء انتي.. اليك.. اليكي.. هذا هاذا..) وقس على الامر مفردات وجملا تغرد خارج سرب حتى العامية البسيطة.
هذا ليس مشهداً عابراً ولا عادياً، بل له أسبابه العديدة وهو أحد وجوه الغزو الثقافي الذي يترجم على الأرض عدواناً مسلحاً بعد غزو العقول.
اما في الإعلام فالتلوث اللغوي على أشده لاسيما المسموع والمرئي والحجة دائماً الاقتراب من المتلقي، مع أنها حجج واهية وضعيفة والدليل على ذلك أن الإعلام المقروء مازال يحافظ على اللغة الفصيحة ويقدم وجبة إعلامية بلغة سليمة وسلسة يقرؤها الجميع.. وهنا لابد من الاعتراف أن الإعلام المكتوب أدى دوراً مهماً جداً في تقريب اللغة من الناس وجعلها مطواعة من خلال الأساليب التي يستخدمها كتابه..
ما الحل.. ؟
كثيرون يرون أن الحل بالعمل على تمكين اللغة العربية في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا وبوسائل متعددة وهذا أمر سليم وصحيح, ولكن هل تجدي نفعاً أساليب المكاتب واللجان والندوات والمؤتمرات السنوية التي تعقد احتفاء ثم تغيب للموسم القادم؟
بالتأكيد: لا, فاللغة كما نكرر دائماً كائن حي تحيا بقوة متكلميها قوتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية والحضارية.. هنا يلح السؤال:
هل نحن أقوياء بهذه الجوانب كلها؟ ماذا نقدم من مصطلحات ثقافية فكرية علمية.. من مسميات الاختراعات التي تغزو العالم كل يوم..
ليس لدينا ما نقدمه، لقد غدونا مستهلكين لكل شيء وبالتالي نستهلك لغة المصدر وندفن لغتنا التي تجمدت عند حدود معينة لا تتجاوزها.
وغدا عمل مجامعنا اللغوية وجامعاتنا إصدار قرارات على الورق مثل: يجوز ولا يجوز ويجوز الوجهان.. وغير ذلك من جمود المؤسسات المعنية بالثقافة والفكر والإعلام والتربية..
توقفت دراساتنا اللغوية عند اجترار التراث وإعادة نشره حتى الندوات التي تعقد احتفاء بيوم اللغة العربية تكرر ذاتها وتعيد طرح القضايا التي حفظناها.. المهم الحضور الإعلامي بالمناسبات هذه ومن ثم تطوى الصفحة إلى عام قادم..
ببساطة شديدة:
ما جرى في سورية من اجتراح لمعجزات النصر لم يواكبه مشهد ثقافي إبداعي إعلامي يثري اللغة ويعطيها نسغا جديدا.
نقول بكل الحب:
المؤسسات المعنية بالعملية التربوية الثقافية التعليمية الإعلامية ليست مهمومة بالشأن اللغوي الا بما يحفظ ماء الوجه.. لابد من آليات تفكير مختلفة وعمل دؤوب يخرج من المناسبات ليكون فعلاً يومياً يبدأ من البيت ليصل إلى كل المؤسسات وهذا ليس أمراً صعباً.. وليس المطلوب من كل أحد أن يكون سيبويه.. بل إن يجيد على الأقل اول أبجديات لغته وللوصول إلى هذا لابد من قرارات ملزمة للجميع، والا بعد عقد من الزمن سوف نحتاج إلى مترجمين حين نمر بشوارعنا وقرب مجمع اللغة العربية بدمشق أعرق المجامع اللغوية وقرب مراكزنا الثقافية.. فواجهات محالنا التجارية تخبركم بالقادم..
دائرة الثقافة
التاريخ: الأثنين 2 – 3 – 2020
رقم العدد : 17206