لا أستطيع أن أمضي فيما بقي لي من ظهور على وسائل الأعلام و المتمثل بهذه الزاوية الاسبوعية دون المرور من فضاء يغيب مع غروب شمس الصديق الراحل (ريمون بطرس).
لا أتذكر متى تعرفت على ريمون.. لا أحفظ تاريخاً لذلك.. مثل ما أنا لا أتذكر بداية لمعرفتي بهذه السنديانة التي أقبع وبيتي تحتها .. كأن ريمون أحدٌ، وجد في حياتي هكذا .. و لن أسرف في شرح الصفات والمناقب و المنجزات .. هو بجد رجل غني بكل معنى الكلمة .. غني بفكره .. بفنه.. بما قدم .. بما أنتج و أبدع .. أقول ذلك، لأن ريمون كان متواضعاً .. يبلغ في تواضعه سوية الجندي المجهول ..
التقيته يوماً مع الراحل فواز الساجر و كلاهما جاري .. لكن فواز كان جاري الأقرب .. البناية ذاتها .. همَّ فواز يعرفني بريمون .. لكنه تراجع ليقول لي: بتعرفه .. ريمون بطرس .. شعرت أن ذلك هو الطبيعي .. أن أعرفه ..
كنا مجموعة متعددة الأطراف .. اليوم أعرف أنه كان الزمن الجميل .. وعهدي به أننا كنا نعد للزمن الجميل ..
يا حسرة يا قلب .. بعد زمن غير طويل ترافقت مع ريمون إلى منبج نتبع جثمان فواز .. بتنا في حلب و تكفل ريمون برعايتي .. سهرنا .. و نمنا في بيت صديق له .. وعدنا في اليوم التالي إلى دمشق بعد الدفن مباشرة .. بين ذاك تلك السفرة الحزينة و العودة، لم يعد شيء ينقصني بمعرفة ريمون و لم نغب عن بعضنا بمعنى الغياب .. ريمون شديد الود لأصدقائه .. منذ فترة قصيرة هاتفني ليلاً وكنت في الضيعة.. قال لي: يا اخي أنا (بس بدي حاكيك) .. و بدا لي أنه منتشٍ.. اتفقنا على لقاء قريب في دمشق ولم نلتق ..
ما علاقة ذلك كله بأن أرقامنا تدل علينا ..؟؟
ذات يوم اتصل ريمون بي .. و قال لي أنه يصور في حماه.. وأنه يحتاجني للإجابة على أسئلة .. حول البادية السورية و الحياة فيها .. و .. بين الأسئلة .. كان عن قطيع الاغنام السوري .. ؟
أخبرته أنه ليس هناك رقم يقدم الحقيقة و بفوارق كبيرة بين رقم و رقم .. قال لي :
أي من أي رقم بدنا نأكل لحم و جبنة .. ؟
قلت: من الفارق بين رقمين .. و لما (بشوفك) بحكي لك عن بؤس الأرقام في حياتنا ..
يوم التقينا .. تضاعف استهلاكنا على السفرة .. ريمون كي يتحمل ما أسررت به عن الأرقام .. و أنا كي أصل إلى ابداع ريمون في الشتائم و الغناء .. كانت سهرة جميلة لكلينا ..
أنا بصدق أبكي على ريمون .. صديقي .. و(بحبه)..
وأبكي على الأرقام و فوضى الأرقام .. اليوم قرأت على شاشة محلية .. أن السودان استقبلت 12 مليون مهاجر سوري في الأحداث التي عرفناها و ما زالت .. !!!
طيب اذا السودان 12 مليون .. ودول الجوار و كل ما اعلنت عنه من استضافات لم تعد محمولة للسوريين .. تركيا.. لبنان الحريري .. الأردن .. مصر .. و .. و .. و الذين بقوا في كل البقاع السورية ..
قال لي ريمون :
أنت متأكد أن سكان سورية 23 مليوناً أم 53 .. ؟؟!!
لم أجبه .. و في مرة قادمة سأستعين بالأصدقاء من أجل الجواب الصحيح ؟؟
as.abboud@gmail.com
أسعد عبود
التاريخ: الخميس 5-3-2020
الرقم: 17209