لم تكتمل حكاية «السلطان» الإخواني في القصر.. فأردوغان هرب هذه المرة من قصص شهرزاده العثمانية.. يوم أدرك أن في تفاصيل تناقضها مع الواقع ما قد يقطع رأسه السياسية.. وبحجة الاحتفال بـ (بيوم المرأة).. خرج من (الحرملك) وألقى على الأتراك خطبة هزيمته في ادلب…
على منبر الخيبة في اسطنبول تبدلت اللهجة.. وفوق جثث الجنود الأتراك مال لسان أردوغان ليبرر أنه دخل المعركة في الشمال السوري (بنية إنسانية بحتة).
من رآه وهو يمسك ورقة اللاجئين ليمسح دمعه.. بآلية التماسيح؟! وبآليات الاستدارة..
فأردوغان ما بعد الدرس العسكري السوري له في الشمال لا يشبه ما قبله..
وما بعد اتفاق موسكو.. فقد الكثير من وزنه السياسي واختلت وظائف جسمه الإخواني في المنطقة كلها.. كل شيء تبدل وثبت عند آخر طلقة سورية ما قبل لحظة الهدنة في ادلب.. بدءاً من الأراضي التي حررها الجيش العربي السوري وليس انتهاء بملامح أردوغان التي تجمدت عند شهقة المفاجأة…
وجه أردوغان في لحظة عودة الطريقين الدوليين (ام 5 -وام 4) وحدها كانت المادة الأدسم والصورة الأكثر رواجاً في المحطات الإعلامية والتحليلات الصحفية.. يحظى هذا الرجل بشماتة عالمية غير مسبوقة من الحلفاء قبل الخصوم.. ربما لأنه ورقة الجوكر في اللعبة الدولية.. والتوازن في المنطقة يأتي من قساوة خسارته..
ربما الجميع بات يريد أن يكون أردوغان أبعد عن الساحة الدولية.. لذلك انفضوا من حوله.. غليظ اللسان ابتلعه صاغراً.. ومن كان يتبجح بعقد قمة رباعية مع موسكو وفرنسا وبرلين في أنقرة.. لم تهدأ طائرته.. فبالأمس ذهب إلى الكرملين يشد من الغطاء السياسي ستراً لعريه في الميدان السوري وترميماً لتحطم صورة (الجيش التركي الجبار) في الناتو.. واليوم يتراكض إلى بلجيكا.. يزاحم اللاجئين إلى حدود أوروبا.. أردوغان يريد «فيزا» استثنائية لقبول الناتو نفسياً له!! مشكلته الكبرى في العزلة الداخلية والخارجية التي تنتظره..
حتى واشنطن تلعب به – أي أردوغان – في دوامة صمتها.. فكلما احترق أكثر كان رمادها للذر في عيون المرحلة.. تتدفأ على حطبه وأعواد «قسد» التي تحرقها للبقاء أكثر ومضغ الوقت على أسنان انتظار المستجدات.. فواشنطن لا تريد الانخراط في معركة مباشرة مع موسكو وحلفائها.. في سورية تحديداً.. وتدرك أن الحرب المباشرة هي حرب عالمية ثالثة معلنة.. وما حدث لأردوغان في ادلب درس للجميع.. وخارطة طريق سياسية جديدة على جثة المشروع الإخواني..
قالت دمشق بالأمس: إن المرحلة القادمة سياسية بامتياز.. فمشهد الاحتلالين التركي والأميركي بات ساقطاً عسكرياً بهزيمة أردوغان.. واتفاق موسكو هو مهلة أخيرة لإعادة الحسابات.. ولملمة مياه الوجوه الغربية هو من النداءات الأخيرة لالتماس المخارج النهائية من سورية..
المرحلة القادمة سياسية في سورية وتستند إلى متانة البندقية في الشمال والمقاومة الشعبية في الجزيرة… ترتكز على جبهة داخلية قوية تمضي بثبات بكل استحقاقاتها الدستورية رغم غبار المعارك وعنجهية الحصار الاقتصادي.. تعبر فوق كل ضيق الأحوال.. لتفتح صناديق الانتخابات البرلمانية تحت قبة مجلس الشعب وكلمته… التي قهرت فرنسا في أيار يوماً.. وتقهر أنظمة الغرب كل يوم..
كتبت عزة شتيوي
التاريخ: الاثنين 9-3-2020
الرقم: 17212