مُؤخراً، جرى الاهتمام بافتتاح أسواق شعبية في البلدات والمدن، تُتيح مباشرة للمُنتج – من المزارعين ومربي الدواجن وسواها من الثروة الحيوانية – أن يطرح مُنتجاته ويُسوقها من دون وسيط. هو الأمر الذي ينطوي على غايات مُتعددة تُحقق أهدافاً كُبرى للمُنتج وللمُستهلك، تَدعم اقتصادات المجتمع، ولاسيما الشرائح الهشة فيه، وتساعد المؤسسات العامة فَتَحمل معها جزءاً من أعباء توفير المواد بأسعار مقبولة، فضلاً عن أنها تُسهم بحدود في مسألتي كسر الأسعار والاحتكار، ناهيك عن ضبط حركة السوق.
التجربة الوليدة مهمة جداً، وكان ينبغي الذهاب باتجاهها قبل وقت طويل في أيام السلم والازدهار، وإذا كانت الحاجة لها تبدو مُلحة في الظروف الاستثنائية، فقد أتت أخيراً، تأخرت نعم، لكنها ماثلة اليوم، وستَنضج مع مرور الوقت بكل تأكيد، لتُلبي الغرض الذي أُنشئت من أجله، فتُحقق رزمة الأهداف المَنظورة والمُنتظرة منها، وتكون مَحطة داعمة لبرامج التنمية الريفية ونواتها المُتمثلة بالمشاريع الصغيرة أو تلك المُتناهية في الصغر، والمُتوسطة أيضاً.
ربما من المُبكر إجراء تقييم للتجربة، وقد يكون من السابق لأوانه الحُكم عليها بمعاني النجاح والفشل كعملية اقتصادية بأبعاد اجتماعية لها امتدادات وطنية ومُنعكسات سياسية بحكم تَعرض الوطن لحصار ظالم وعقوبات أميركية غربية جائرة.
إجراءُ التقييم وإطلاق الحُكم قد يكون مبكراً، ولكن يُعتقد أنه ليس من المبكر، بل هو من الواجب الإضاءة على الإجراءات التي قامت بها الإدارة المحلية -مجالس المدن والبلدات- حتى الآن في إطار تخصيص مساحات لهذه الأسواق، ولجهة تَزويدها بالخدمات الأساسية المطلوبة التي بتوافرها تتحقق شروط النجاح والديمومة، ببساطة لأنها بهذه الحالة تُشجع المُنتج والمُستهلك، وتَكتسب مقداراً كبيراً من الحيوية والجاذبية.
بالرصد والملاحظة يبدو جلياً أن التجربة ستنجح في مكان دون الآخر، وهو ما يعكس اندفاعاً واجتهاداً هنا وتقصيراً بالأداء هناك لدى إدارات محلية بعينها مُقابل تَخلف أخرى عن القيام به، ذلك من دون أن تُبدي السلطات المحلية الأعلى نبرة حادة تَفرض بجدية ما يجب القيام به بجداول زمنية مُحددة ووفق مسطرة معايير لا يجوز مُخالفتها!
الذي نريد قوله مباشرة من دون لف أو دوران يَختزله السؤال عن الرؤية، البرنامج، المبادرة، بمعنى إذا كانت الرؤية صحيحة وناضجة، وإذا كان البرنامج مُجدولاً ومُنظماً، وإذا كانت المُبادرة مُحكمة رغم تأخرها، فلماذا يُسمح لأداء مُتثائب أن يُسيء للرؤية، وأن ينسف البرنامج ولا يُبقي أثراً للمُبادرة؟ وخصوصاً مع تكاثر الحديث عن وجوب إحداث تغيير بالانطباع من أنَّ ثمة عجزاً عن ضبط السوق والأسعار، ومن أن حماية المستهلك لا تَحظى بالاهتمام الكافي، ومن أن أحداً لا يُحاول بالجدية المطلوبة إنصاف المزارع والمُنتجات الريفية برفع المَظلومية كحد أدنى.
ربما الحالة أعلاه – افتتاح واستحداث أسواق شعبية – كأُنموذج، يمكن إسقاطها على العديد من المشكلات والمسائل التي تُواجهنا، تَختصر الكثير مما نُعانيه، أو مما يَنقصنا، ذلك أننا إذا كنا لا نُحسن التقاط المُبادرات والعناية بها، إلا أننا نَمتلك صوابية الرؤية، ونُجيد وضع البرامج، لكنّ المُتابعة تَغيب، فيَضعف الأداء أو يَنحرف عن المسارات المُحددة لتحقيق أهداف وغايات الرؤية التي من شأنها أن تُحدث الفرق المؤثر.
إن المُتابعة المُستدامة للأداء تمثل سر أسرار ترجمة الرؤى ونجاحها، هو الأمر الذي يتطابق وينسجم مع القاعدة التي تؤكد أن مُلاحقة جودة الأداء هي من أهم خطوات الإنتاج والإنجاز والتطوير.
الافتتاحية بقلم رئيس التحرير: علي نصر الله
التاريخ: الجمعة 13-3-2020
الرقم: 17216