الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد :
مجموعة تتصف بنصوصها النثرية المتميزة التي تحمل في طياتها طابعاً رمزياً، يتخذ منه الشاعر متكأ له على واقع الأمة العربية، وصراعها الدائم مع الكيان الصهيوني وأعوانه، مشكلاً من هذه القصائد عقداً فريداً من الشعر الحداثوي، بطابع فلسفي مجنح يعبر آفاق المعرفة واللغة الرشيقة والبناء السليم للبنات القصيدة، فينهل من ينابيع اللغة عذوبة الكلمات، ودفق المعاني التي تجعل لكل نص حكاية يغزلها يراعه النابض بعمق الفكرة الوضاءة، وصدق المشاعر التي تأبى التقيد والخضوع لأي مغريات مهما كان نوعها.
يقول فلاحة في قصيدة دون عرشك والماء:
وهي التي تحمل عنوان المجموعة وتتصدر أولى قصائدها:
هناك حيث الفصول أشلاء
تتكئ على موائده
حين لا تكذب الفصول
لأرامل الحنطة حناجر.. تبتلع السماء
يحبسها بأصابعه لعل للوجع أثر ماء
فللوجع ارتداد الروح
ودورة لامتداد الحياة.
نلاحظ أن الشاعر يقتبس فكرته من خيال خصب واسع المدى لا يتوقف عند حدود أو إعصار أو ضباب يشوه رؤاه، بل يحلق بعيداً ليقتطف من واقع الحياة حلوها ومرها ويغزل شرنقته من رحيق الذكريات. فيقول في قصيدته في رحم الكلمة والمدى:
للهاث المعرفة البكر تزفر ظلال الكلام
ليلتقط الخيال معنى..
لعله يشبهني
فأمسك ملامحي
بين الضباب المتزاحم
في عنق الضوء
المهاجر من المجهول.
للصورة الشعرية عند فلاحة قدرة على إيقاظ روح السخرية المتجلية في عمق القصيد والتي تشير بالدلالات والإيحاءات إلى عري العدو الواحد للوطن الأم، فتتقاطر الأفكار وتتلاحق الذكريات حثيثة الدفقات لإزاحة هذا الكابوس الجاثم على صدر العالم العربي وجمع في مكنونه كل مآسي العالم ويأس النفوس وإحباطها كي لا تلتقط قبس النور أو حتى ترك فرصة لاسترحام يلهج بالدعاء.. لكن براكين الصبر انفجرت لتعلن راية التحدي وانقشاع الحقيقة لتعري طيور الظلام.
يقول في قصيدة ما بعد التكوين هيولى:
واقرأ تمرؤك في تضاريس الممكن
حتى لا تؤطرك العدسة
بلون الألق الكاذب
ففي العتمة والضوء فجر صادق
يمتحن بدايتك والنهاية.
ولا يغفل عن فلاحة ابن فلسطين المغتصبة التي ما زالت تنزف جرح الاغتصاب أن يعطيها من ذهب حروفه المبللة بطعم اللوعة والحرمان والخذلان معتمداً الخط البياني في إثارة العواطف والتشويق مؤكداً على أنه سوف يأتي يوم يزهر فيه الربيع ويثمر الزيتون.
يقول في قصيدة فلسطين:
تراب فلسطين اليوم حار..
كالأمس
وطعم الدم
على درب الخلاص حلو
لرمح روما طعنة
بخاصرة الانتماء
وثغاء صحراء
تعد طقوس الولاء
تنحر حمراءها
دون مبكى الاغتصاب
لترعى عشباً ربيعياً خالداً
على أشلائنا.
وفي كثير من انتقاءاته الشعرية يختصر الشاعر رضوان فلاحة مخزونه الذي في داخله من هم وقهر وحسب، ليكونه ببضع كلمات مدهشة تحدث صدمة على ساحة التفكير عند المتلقي، في هذه الصدمة يصل في النص المعتمد شعور عاطفي، وعاطفي هنا تعني العاطفة الوجدانية وما يخزنه من ثقافة، فيكون قد قام بواجب إنساني ووطني وفني.
يقول في نصه «انتماء»:
أتحسس خفق الأرض
تحت نعليك
كم عمرك فيها لو أعطيت.
ويقول في نصه «فقد»:
ليس عليك أن تموتي
لأعتاد غيابك
علي أن أموت
لأستحق حضورك.
في أمكنة نصوص رضوان فلاحة تقدم برغم أنها لا تتجاوز عدداً من الكلمات موضوعاً كاملاً أو قصة أو حكاية أو لهفة او صدمة أو وخزة تفجر تأملاً، يعني أن النص لا يقاس في عدد كلماته وفي مساحاته الكبيرة، فيمكن أن نجد مقومات مدهشة في نص بعنوان «حلم»:
احلم وامش
فما من حلم يسبقه نعش
ارم برأسك المثقلة بالرغبة والنكبة
إلى جانب طفل الرصيف
وارسم غيمة لسمائك
وعد صباحاً لتجني حلماً آخر.
في منطق التصوير الانطباعي والتحليلي والتطبيقي عند فلاحة وبرغم أن هناك عاطفة واضحة تماماً تدفعه للكتابة، إلا أن واقع مكوناته يدل على أن الفكر هو الأكثر حضوراً في كيفية النصوص ومنتوجها البنائي الذي يشي بوجود أدب حديث يمكن أن يساوي أو يتجاوز كثيراً من الأجناس الأدبية ويحيرنا ماذا نسميه وكيف نصفه وهو ينتقل في تحولاته من نجاح إلى آخر أو من إقناع إلى آخر.
التاريخ: الثلاثاء24-3-2020
رقم العدد : 992