ثورة أون لاين-علي الأحمد:
كيف أثر التطور العلمي ومادية التكنولوجيا، في الجانب الروحي لموسيقانا العربية المعاصرة، وهل ثمة تناغم وحال من انسجام بينهما ، بالرغم من اختلاف الأهداف وتباين المسارات، لدرجة الصدام الحتمي بينهما؟.
– من دون أدنى شك، لعبت التكنولوجيا وتحديدا تكنولوجيا المعلومات، دوراً لايستهان به، في تغيير الأولويات بالنسبة للموسيقي المعاصر، وبالتالي اعتماده على حضور هذه التكنولوجيا، في دراسة مراحل تطور الأنماط والقوالب اللحنية، كما نرى في البحث العلمي الرياضي في تحديد أبعاد السلم الموسيقي وتنوع سككه وتفرعاته النغمية ، ودراسة تأثيرها النفسي على المتلقي العربي، كما يجب الاعتراف بأهمية هذه التكنولوجيا ووسائطها المتعددة وبرامجها الذكية. في مجال مهم وحيوي، ألا وهو التوثيق العلمي للموروث الموسيقي العربي بكافة أنماطه وتقاليده، سواء تعلق الأمر بالموسيقى الفنية العالمة،أم بالموسيقى الشعبية الأصيلة، التي تؤرخ لحكمة وفلسفة الشعوب، صحيح أن هذا الموسيقي لم يستفد بالشكل الأمثل من وفرة هذه التقانات وتعددها ، إلا أن ماتحقق الى حد الآن يعطينا فكرة وافية عن أهمية العلم ومسارات التقنية في تقديم خدمات مهمة للفن الموسيقي العربي، الذي ينفر بطبيعة الحال من المادة وكل ماهو مادي،لكن لابد من مقاربة موضوعية في هذا المجال، فإيجابيات التكنولوجيا مهمة في هذا المجال، إن تم استخدامها بسكل معرفي وعقلاني بحيث لاتؤثر على البُعد الروحي والوجداني الذي انبنت عليه الفنون عموماً. والموسيقى بخاصة، وهذا يستدعي جهداً مضاعفاً، من الموسيقي العربي، في سبر أغوار ومسارات هذه التقانات الوافدة، والاستفادة المثلى، من قدرتها المهمة، كما أسلفنا، في التحليل والبحث والتوثيق، وتوليد الأصوات الخائلية التي تفتح له أبواباً مشرعة لعالم موسيقي مذهل، تتداخل فيه الأصوات الطبيعية مع الأصوات الخائلية الافتراضية، وبالتالي القدرة على توسيع مسارات الكتابة والتأليف والممارسة ، بأبعادها الجديدة التي قد تبدو غريبة عن الأذن والذائقة، ولعل التجربة الموسيقية المعاصرة تحمل ببن طياتها، كيفية الاستفادة الممكنة من هذه التكنولوجيا،، خاصة إذا ماعلمنا. كيف أنها تقرب المسافات، وتعمق الحوارات الموسيقية بما يمكن أن نطلق عليه إعادة إحياء لطريق الحرير الثقافي عبر هذه الوسائط والمنصات الإعلامية التي باتت متاحة للجميع، وهذا بحد ذاته يجعل الموسيقي العربي في حالة ابداعية مغايرة للسائد المطروح الذي يغزو العالم بفضل هذه التقانات والوسائط المتعددة وهذا من دون شك أحد سلبياتها ، وعليه أن يكون حذر جدا في تعامله معها، حيث المشهد الموسيقي المعاصر، أخذ بموسيقانا العربية، إلى مكانات ومسارات لاتليق بها وبتاربخها وميراثها الروحي العظيم نتيجة لصعود تيارات التغريب والتقليد واستنساخ الآخر التجاري على حساب القيم والقيمة الابداعية الجمالية التي عليه أن يحافظ على حضورها ومسارها النبيل في كتابته الحداثية المنشودة …. يقول الباحث الدكتور “نبيل علي” في كتابه القيم :”الثقافة العربية وعصر المعلومات” :”عالم المعرفة” :علاقة الفن بالتكنولوجيا، وهي علاقة غريبة الأطوار تظهر العداء، وتبطن الوفاق. تتراوح مابين الريبة والرهبة إلى حد القطيعة، وبين الحماس الشديد إلى حد الهوس، واعتبار كل فن يتجاهل التكنولوجيا فنا لامغزى له، محكوما عليه بالفشل إلى الأبد. إن الفن ينفر من مادية التكنولوجيا وبراجماتياتها الصارمة، ويرى فيهما تناقضا جوهريا مع مايتحلى هو به من رهافة وحساسية، ومع نزوعه الدائم نحو المجرد واحتفائه بالغامض، ورضاه بسكنى الجوار مع المستحيل، لقد وهبت تكنولوجيا المعلومات الفن، حواس جديدة، أكثر حساسية وقدرة على التقاط الواقع، ووفرت له أدوات عدة، كي يعبر بها عن هذا الواقع، ووسائل مبتكرة للتفاعل مع جمهوره، ونشر تاريخ إبداعه.