الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
كانت أصابعي كعادتها تهم بارتداء القلم، وامتشاق حبره لمقارعة صخب غوغائي تبثه الأشياء والأسماء والوجوه من حولي، ولمنازلة وحوش أفكار لامرئية رُسمت خطوط جسدها وزواياها الحادة بحبر سري لا يُرى بالعين المجردة.
كنت كعادتي دائماً أسعى عبر الكتابة لعملية تطهير أرسطوية أحرر بضجيج تهافت العبارات خلالها ما كنزه جسدي من انفعالات سلبية، وما غطى نتوءاته، وعلق بخلاياه من أشنيات متطفلة تتسلى بامتصاص ما بقي من طاقته المتهالكة أصلاً، ومن مجهوده الذي تكدست فوق أنّاته آلام سيزيفية.
كنت أغازل القلم، وأغريه بليلة مشتهاة مع إحدى ربات الجمال إن هو استجاب لعويل ارتطام الحروف في مخيلتي في مشهد طروادي يحتدم فيه الصراع بين هيكتور وأخيل؛ كنت أدعوه ليخط معي حروف كلماتي الأولى، لنذهب لاحقاً ونشرب معاً نخب القصيدة المرجوة. بدأت أعده إن سار معي في قيامتي بأمان أن أهبه أولمب زيوس، ومُلك أبولو، وأن أغادر معه مدن الأرض لنرتع معاً في مجد السماء. بدأت – لأثير حماسه – أقرأ على مسامعه أشعار المتصوّفة والغزّال، والمجانين والفجّار، وما قاله سادة القول في شتى أنحاء المعمورة من وصف، ومجون، وحماسة، وحكم؛ وما طلع به أهل المنطق من تفكيك، وتركيب، وديالكتيك، وعِبَر.
بدأت، وبدأت، وبدأت… إلا أن قلمي شرع يخلع عنه أصابعي بهستيرية، ليضعني جانباً، ويرحل وحيداً نحو السماء، مغلقاً خلفه الباب بهدوء.
التاريخ: الثلاثاء7-4-2020
رقم العدد : 993