الثورة – هيثم قصيبة:
يأتي العيد فنتنفس من صميم أعماقنا، حضوره البهي وإطلالته الرائعة في حياتنا، ونسارع بلهفة عارمة إلى معانقته ونستغرق في ظلاله الوارفة وتجلياته الشفافة الملامسة للشعور والوجدان ونتلاقى مع الأهل والأقارب والأصدقاء ضمن فسحة من الهدوء والسعادة والألفة، لننسى ضغوط ومتاعب المشاغل الحياتية اليومية المشحونة بالرتابة والتنميط والاجترار.
وسرعان ما ننشغل باستحضار وتطبيق طقوسه كتلبية الدعوات والزيارات وتقديم التهاني والتبريكات، وإقامة العزائم والولائم، وأيضاً شراء الثياب الجديدة والحلويات واصطحاب الأطفال والأبناء إلى المراجيح وحدائق المرح والألعاب فترسم أروع صورة عن ابتهاحنا بقدوم العيد.
وعلى هذا المنوال من كل عام نعيش طقوس العيد وتجلياته الصورية في حياتنا، ونسأل أنفسنا متى سنعطي للعيد نبضه الروحي ومعناه الديني ودفقه الإنساني بعيداً عن طقوسه المعتادة، ومتى سنجعل من العيد قيمة روحية وإنسانية تجسد مضامين نبيلة كإغاثة الضعفاء، والمحتاجين ومساندة الفقراء والمنكوبين ودعم الأرامل والأيتام والمساكين والمهجرين، ولاسيما أن مجتمعنا السوري عانى من ويلات الظلم والطغيان والتهجير والتشريد والقمع والقهر من قبل نظام قهري مستبد رزح عقوداً على صدورنا وسرق فرح العيد من قلوبنا كسوريين مظلومين.
ونقول: كم نحن بحاجة ماسة إلى أن نعيد النظر في الكثير من مفاهيمنا المتداولة، وفي مقدمتها مفهومنا للعيد، والنظر إليه من ناحية روحية وقيمة إنسانية، إضافة إلى ممارستنا للطقوس الاجتماعية التي تحقق الرغبات الحسية.
فالعيد هو الإشراقة الروحية الوضاءة التي تتغلغل بقلوبنا وتنقلنا إلى فضاءات رحبة وأجواء دافئة، أما المفاهيم والتعبيرات المتجسدة بتلبية الدعوات وإقامة الولائم فما أجملها إذا نبعت من علاقات اجتماعية صافية قائمة على أواصر المحبة والإخوة، ومنبثقة من التسامح والعفو والتحرر من أغلال الطمع والحقد والحسد والكراهية والضغينة.