ثورة أون لاين- فردوس دياب:
يواجه الكثيرين منا صعوبة بالبقاء في البيت طوال الوقت نتيجة الظروف الطارئة التي فرضتها جائحة فايروس كورونا التي اجتاحت معظم دول العالم وفتكت بآلاف من البشر وسببت الذعر لملايين الناس، وهذا الامر قد سبب الملل والتوتر والضغط النفسي والعصبي، ما يدفع بالبعض الى التصرف بغرابة وتوتر ونزق، وبالتالي الذهاب بعيداً في طريق السلوكيات الخاطئة التي غالباً ما تنتهي بالمشاحنات والصراعات الاسرية.
لكن السؤال الذي يدفع بنفسه الى السطح ، لماذا لا تكون هذه الظروف فرصة مناسبة لتعزيز أواصر الترابط والتقارب الاسري بين أفراد العائلة الواحدة الذين جمعتهم إجراءات الحرص والوقاية تحت سقف واحد ولساعات وأيام طويلة؟، بدلاً من الذهاب في طريق المشاحنات والعصبية المفرطة والسلوكيات غير اللائقة التي سببها البقاء في البيت فترات طويلة.
صحيح أن الجلوس خلف أبواب مغلقة يسبب حالة من الضغط النفسي المصحوب بالتوتر، لكن الخروج من هذه الحالة يكون بالبحث عن سبل ووسائل أخرى لتخفيف حالة الضغط النفسي تلك، وفتح أبواب ومنافذ الامل والحب والتفاؤل التي تعزز أواصر المحبة والتقارب بين جميع أفراد العائلة الواحدة.
البداية تكون من مد و ترميم جسور الحب والأمان بين أفراد العائلة ، خصوصا بين الاب والام الذين يشكلون مصدراً كبيراً للطاقة الإيجابية في المنزل، في وقت يحتاج فيه الجميع –الاباء والامهات والابناء – الى طاقة إيجابية تقلل من توترهم وعصبيتهم ، وتزيد من طمأنينتهم وتقاربهم ومحبتهم.
الاجتماع على مائدة طعام واحدة هو من الأمور المهمة التي تساعد على التقارب والحميمية الاسرية، خاصة إذا تشارك الجميع بتحضير وجبات الطعام ومن ثم نقل الاطباق بعد الانتهاء من الطعام الى المطبخ، ولعل الاب يجب أن يكون قدوة في هذا الامر من خلال مساعدة الام في تحضير الطعام والاطباق وبقية شؤون الاسرة والمنزل.
كذلك من الأمور المعززة للتقارب الاسري جلسات السمر والمرح الاسرية التي تسودها الأحاديث الجاذبة المفعمة بالحب وخفة الدم، ولا مانع من قيام الاب أو الام باسترجاع ذكريات الطفولة والمراهقة والشباب أمام الأبناء، على اعتبار أن تلك الاحاديث من شأنها أن تشد وتجذب انتباههم، خصوصاً إذا كانوا أطفالاً.
كذلك فإن الحوارات الهادفة التي تفتح الباب أمام النقاش والاسئلة والتشاركية، من شأنها أن توطد العلاقات بين أفراد العائلة، خاصة إذا كانت تلك الحوارات والجلسات تدور حول كتب ثقافية أو تاريخية أو قصص مشوقة، مع الانتباه جيداً الى ضرورة الاستماع الى بعضنا البعض وتبادل الآراء وطرح أفكار جديدة للمناقشة والحوار، خاصة استماع الآباء الى أبنائهم والاجابة عن تساؤلاتهم، ومحاولة احتواءهم واستيعاب مشاكلهم وهمومهم والتجاوب معهم بشكل إيجابي، غير أن الأهم في ذلك كله محاولة جميع أفراد الاسرة الانعتاق من قيود وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الموبايل التي أصبح الإدمان ظاهرة خطيرة تستحق الوقوف عندها كثيرا على اعتبار أنها هدمت الكثير من جسور المحبة والتقارب داخل العائلة الواحدة، فلطالما تجد كل فرد من أفراد العائلة منعزلاً عن الاخر نتيجة غرقه في عوالم التواصل الاجتماعي الخادعة في معظمها.
الام وبحكم رمزيتها وقيمتها الإنسانية الكبيرة لها دور كبير وأساسي في مد جسور الحب والتقارب بين العائلة، وهذا يكون عبر تسامحها المعهود للأخطاء والعثرات التي تصدر عن بقية أفراد الأسرة وعدم انجرارها نحو التعصيب والغضب الذي يؤدي الى إشاعة أجواء التوتر والقلق والطاقة السلبية في المنزل، بما يساهم بالانعزالية في المشاعر والاحاسيس والعلاقات وبما يخلق فجوات كبيرة في المنظومة الاسرية التي هي أحوج ما تكون في هذه الظروف الى التقارب والترابط من أجل الوصول الى بر الأمان .
(الحجر الاسري) لا يكون بعزل أنفسنا عن بعضنا البعض أو بعزل أنفسنا عن العالم الخارجي، بل يكون بوصل المقطوع بيننا من مشاعر وأحاسيس الحب والآمان والطمأنينة.