كورونا وتداعياته الاجتماعية… عين على الأسرة وعيون تترقب الحلول

ثورة أون لاين – ميساء الجردي:

تعيش الأسرة السورية ربيعاً مختلفاً عن سابقاته… وتتابع عبر وسائل الإعلام أخباراً عن فيروس كورونا (COVID -19) الذي ينتشر في مختلف أرجاء العالم، فتضيع بانتشاره عادات وتقاليد اجتماعية، فلا رحلة ولا سيران يذيب برد شتاء طويل، ولا إقامة لحفل أو فرح، حتى أساليب المواساة والتعازي تغيرت، العالم كله يبدو خائفاً، والمجتمعات بأسرها في حالة من التوتر وازدياد الضغط النفسي، وقبل كل شيء لا يمكنك مغادرة المنزل إلا لأسباب ضرورية.! تؤثر كل هذه العوامل والظروف في نهاية المطاف على سلوكهم، فيعانون من اضطرابات النوم، وتغيير في عادات تناول الطعام، والشعور بالملل والإحباط، وتشعر العائلات بأكملها بالحاجة الضرورية والمعقدة لإعادة ترتيب حياتهم تلبية للاحتياجات المختلفة المجمّعة تحت سقف واحد…
اختراق للطبيعة الاجتماعية
الثورة أون لاين رصدت أهم الجوانب التي تعيشها الأسرة السورية بين جدران الحظر المنزلي، فكان التركيز بحسب الباحث محمد أحمد عيد خبير العلاقات الإنسانية والتنمية المستقبلية على أنه أمر طبيعي أن يعاني كل أو بعض أفراد الأسرة من بعض ردود الفعل والضغوط النفسية والاجتماعية، وأن تتأثر العلاقات الأسرية والإنسانية، لأننا خلال هذه الفترة سنولي اهتماماً دائماً بمختلف المعلومات حول فيروس كورونا الذي يخترق الطبيعة الاجتماعية للأشخاص قبل اختراق أجسادهم، ويعطل أو يغير وتيرة حياتهم، ويكسر إيقاعاتها اليومية… والتي تسبب بدورها الخوف والقلق والذعر المعدي، والانزعاج والانفعالات العاطفية، وكذلك التوتر المستمر الناجم عن المسافة بين الأشخاص، أو إعادة إحياء النزاعات القديمة، أو الشعور بالذنب لمن لديهم مسؤوليات عائلية أكبر… موضحاً ضرورة اعتبارها صعوبات وليست مصائب، أو عرضاً أو مشكلة، لأن الصعوبات ترتبط بالوعي، وترتبط المصائب بانعدام الوعي، وبالتالي تختلف استجابة الأشخاص لظروف جائحة كورونا والحجر الصحي تبعاً لنمط وأسلوب تفكيرهم، وبتعديل الطريقة التي على أساسها يفكر الشخص بردود الفعل تلك يمكن تعديل السلوك إلى الأفضل… وبذلك يستعد الآباء للتفكير بشكل أفضل في أهمية أخذ الوقت في الشرح لأبنائهم وخاصة الأطفال والمراهقين، وبطريقة مناسبة لأعمارهم، ما يحدث حولهم، لأن هذه الخطوة الهامة تساعدهم على فهم وإدراك الطبيعة غير العادية لهذه الفترة، والشعور في الوقت نفسه بالأمان والحماية وإبقائهم نشطين…
احترام ردود الأفعال العاطفية
وأشار عيد إلى ضرورة إدراك جميع أفراد الأسرة، حجم الصعوبات الكبيرة في الاحتياجات المختلفة للآباء والأمهات، فالرعاية المنزلية والعمل والمدرسة أو الجامعة واللعب… كل ذلك يجتمع الآن في مكان واحد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأمور تزداد تعقيداً في حال السكن الضيق وغير الصحي أو غير المشمس، لذا يجب على كل واحد منا فهم بعض المعرفة النفسية والاستعانة بالإرشاد الأسري، بحيث لا يمكننا فقط مساعدة أنفسنا، ولكن فهم أسرتنا أكثر أيضاً، وتعزيز علاقاتنا الأسرية، معتمدين على قوة إنسانيتنا وتضامننا وتعاوننا للتغلب على كل الصعوبات التي تواجهنا، فالإنسان الممتلئ يغتبط بالمعرفة والوعي، ويتميز باتزانه الداخلي والوقار والهدوء والرصانة في كل الصعوبات التي تواجهه، لذا علينا احترام ردود أفعالنا العاطفية وتقبل الألم والتناقضات، والقلق، واحترام عواطف أفراد الأسرة، وتقبل كل فرد من أفرادها، وتحديد أوقات النوم للحفاظ على النظام الأسري، وعدم إجبار أي أحد أن يكون طبيعيًا ومنظمًا في هذه اللحظة، حتى تكون بيئة المنزل صحية من الناحية النفسية والاجتماعية، ولا يتسبب تواجد أفراد العائلة معاً طوال الوقت في توتر ومشاحنات…
انفصال أم تقارب أسري؟
وعن شكل العلاقة والتعامل بين الأب والأم خلال فترة الحجر المنزلي أكد الباحث عيد على وجوب اعتبارها مرحلة للتقارب الأسري، وفرصة لإعادة الانسجام، من خلال تعاون كلا الزوجين في تفهم المرحلة، وأن يكونا قدوة للأبناء في المنزل من خلال هذا التعاون، وتفهم أنها مرحلة مهمة للحفاظ على سلامتهما وسلامة أبنائهما وما تحمله من صعوبات اقتصادية أو عاطفية نفسية، فالانفصال غير الطوعي، عن الحياة الاجتماعية اليومية؛ بسبب الحجر يوفر فرصةً لاقتراب أفراد العائلات من بعضها البعض، والاجتماع والتعبير عما لديهم من أفكار وآراء، وما يتعرضون له من صعوبات تضايقهم، على أن يتم ذلك بالحرية والتلقائية في مناقشة الموضوعات والاهتمامات الخاصة بالأسرة، وبمعنى آخر اعتبار فترة الحجر الصحي المنزلي محطة استثنائية تتعرف الأسرة على بعضها أكثر من ذي قبل، وتدرك أهمية إجراء أفرادها محادثات ونقاشات عميقة، بعد انقطاع لمدة ربما كانت طويلة لدى بعض الأسر، فقبل “عزلة كورونا” هناك عزلة رقمية لدى فئة من الأشخاص وخاصة الشباب والمراهقين على مستوى العالم، ويمكن لأفراد الأسرة استكشاف إيجابيات التواصل والتحاور الواقعي مقارنة بسلبيات الاتصال الرقمي غير المدروس وتضخم الترابط الافتراضي.
وعن حل المشكلات التي تواجه الأسرة هذه الفترة يرى عيد أنها كالملح والسكر يكاد لا يخلو بيت منها، وعلى أساس الكيفية التي نحدد بها تلك التحديات تتحدد إمكانياتنا في مواجهتها، علماً أن استجابة الأسرة لاحتوائها وتسلح الآباء بالوعي والقدرة على التعامل الصحيح مع الأبناء وتصحيح أخطائهم؛ له قيمة تربوية ونفسية هامة في هذه المرحلة، سواء لتغيير السلوك غير المرغوب فيه عند الأبناء، أو ربما تعديل سلوك الآباء من خلال تحكمهم في نوبات الغضب مع أبنائهم، وهذا يدل على نضج الأسرة الثقافي، ويعد مؤشراً جيداً في مقدرتها على تحمل مسؤولياتها بشكل رصين. وتكون العلاقة أكثر إيجابية عندما يتوفر في الأسرة إشباع لحاجات الأبناء النفسية والروحية والمادية والاجتماعية، فيشعرون في ظلها بالانتماء فهي المأوى والمسكن والملاذ، ومصدر الحب والحنان والعطف، مبيناً أن العلاقة غير السليمة بين الأزواج ستكون تكلفتها النفسية باهظة بالنسبة للأبناء، سواء أثناء فترة الحجر الصحي أو بعدها… لأن تأثيرات البيئة هي الأشد وقعاً على السلوك، وأنماط السلوك والتفاعلات التي تدور داخل الأسرة تؤثر سلباً أو إيجاباً في الاستعداد وتخطي هذه المرحلة، فالحضور الجسدي فقط لا يفي بالغرض عندما يغيب الحضور النفسي والروحي والعقلي والشعوري.
الحفاظ على العلاقات
ويرى الباحث عيد أن الطبيعة الأكثر قساوة على البشر هي أن تستبعد وتعزل، فإنسانية الإنسان تتجسد في اجتماعيته، لذا خصائص فيروس كورونا معادية جداً للبشر عامة وليست لشخص، لكن المطلوب عزل للجسد وليس عزل للعلاقات، لذا من الصواب الحفاظ على جودة علاقاتنا من أجل المساعدة المتبادلة التي تفيد الجميع، فالاستخدام الرشيد لشبكات التواصل الاجتماعي ومكالمات الفيديو لجميع أفراد الأسرة مثلاً، يمكن أن يعوض فجوة عدم قدرة الناس على التواصل وجهاً لوجه. والاستخدام السليم للتكنولوجيا يجعلها حليفاً ثميناً لنا في هذا الوقت، فالعزلة طويلة الأمد بدون حياة اجتماعية قد تسبب ضرراً من الصعب إصلاحه. وتدهوراً في وظائف المخ…
الوعي واجب إنساني
ويؤكد الباحث عيد خبير العلاقات الإنسانية والتنمية أن البشرية تمر فعلاً بوقت عصيب يتوق فيه الناس العودة إلى طبيعتهم، لأن المجتمع هو النطاق الذي يحقق فيه الإنسان إنسانيته وكونيته في آن واحد، لكن قبل ذلك نحتاج إلى فهم قضايا علمية أساسية للغاية فيما يخص فيروس كورونا لم يستطع الباحثون والعلماء الإجابة عنها حتى الآن، ونأمل أن يجدوا حلاً علمياً للفيروس قبل أن يصبح كارثة صحية واجتماعية واقتصادية عالمية. فإذا كان المجتمع العلمي في رحلة بحث وعمل عن حلول ووقاية، فحري بنا كمواطنين الالتزام بالتدابير اللازمة لإبطاء ومنع انتشار الفيروس، لأننا لاحظنا أن انخفاض الوعي في بعض الدول والقيام بالمزيد من الأنشطة الاجتماعية، كانت أسباباً مهمة لارتفاع معدل الإصابة، لذا واجبنا الإنساني أن نكون واعين وأن نعمل معاً، فالإنسان مؤتمن على نوعه وأرضه، بما فيها من أنواع وخيرات، وعليه الحفاظ على هذه الأمانة… موضحاً أن وباء فيروس كورونا يمثل اختباراً حقيقياً لإنسانيتنا وتحدٍّ قاسٍ لمدى وعينا… والإنسان الواعي ينظر إلى الحدث على أنه صعوبة وليس مصيبة كما ذكرنا في البداية، وإلا فقد يكون سبباً لمصيبة تحل بغيره إذا بالغ في انفعاله، فتتقلص طاقته الفاعلة إلى حد اليأس والهزيمة، لأنه كلما طالت مدة العزلة الاجتماعية، زادت معاناتها، وعليه فإن التأثير النفسي طويل المدى الذي يحدثه فيروس كورونا، يتطلب استجابة مشتركة من المجتمع بأكمله، وضرورة تفسير كل شيء بالتوازن والحس السليم، وإنشاء نظام دعم اجتماعي لأنفسنا يتضمن جدولاً ثابتاً للحياة وإيقاعها، ومن دون الوعي الإنساني العالمي قد يطول الجدول الزمني للوباء وتفلبه موسمياً في أنحاء المعمورة، بدلاً من تخفيف منحنيات النمو الوبائي، وتجنب الإصابة وإنقاذ المزيد من الأرواح، ومن ثم العودة إلى الحياة الطبيعية الاجتماعية والاقتصادية.

 

آخر الأخبار
قياس أثر المعارض في اجتماع مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق جهود مكثفة لإعادة تأهيل الكهرباء في إدلب.. صيانة الشبكات وتغذية المدن والقرى بعد إلغاء السابقة.. النيابة الفرنسية تطلب إصدار مذكرة توقيف جديدة ضد المخلوع بشار الأسد بين الضجيج الإعلاني وتصريف المنتج.. المستهلك الحلقة الأضعف في بازارات التسوق "البسطات" في حلب.. شريان الحياة وتحدّي البقاء مترو دمشق ينتظر الترجمة الفعلية لتنفيذه حلم العاصمة منذ 43 عاماً.. ماذا لو تحقق؟ "نيويورك تايمز": حرب إسرائيل على غزة ظالمة واستمرارها إزهاق لأرواح جديدة القصيدة والقصة وسردية نون النسوة.. في ملتقى الكتّاب السوري اتفاق تجاري ينهي المواجهة بين الولايات المتحدة وأوروبا مطالب بمراعاة الظروف في التصحيح.. اختزال أسئلة الرياضيات يُربك طلاب الثانوية في حلب "تربية اللاذقية" تُنجز إدخال درجات مواد شهادة التعليم الأساسي والشرعي حلب بين العطش والاستغلال.. أزمة مياه تعيد الصهاريج مفوضية اللاجئين: زيادة ملحوظة في عودة السوريين من الأردن الجغرافيا.. مادة جافة ترهق الذاكرة وتثقل كاهل طلاب الأدبي غرفة صناعة حلب تُنهي تسجيل المشاركين في معرض "موتكس" التصديري للألبسة الجاهزة انتهاء أعمال تأهيل خطوط الصرف الصحي وتزفيت الطرق في حي صلاح الدين بحلب متأثراً بالأونصة العالمية.. تراجع نسبي بأسعار الذهب المحلي المواد الغذائية المستوردة تهديد للمحلي.. فهل من حلول!؟ الربط الإلكتروني مشوه.. وما نحتاجه فوترة حقيقية جرعة تحذير بعد الحرائق الأخيرة.. التغيّر المناخي بات واضحاً والعوز الغذائي أول المظاهر