إذا كانت السمة المميزة لهذا العصر على الصعيدين العسكري والسياسي تكمن في تصاعد حدة الصراع بين الشرق والغرب، لدرجة جعلت العديد من المفكرين، يصدرون مجلدات وكتب ودراسات مطولة حول هذا الصراع، قد يكون “صمويل هينتنجتون” صاحب كتاب “صراع الحضارات” أبرزهم .
من جهة أخرى معاكسة تماماً نجد، على الصعيد التشكيلي، أن أكثر ما يميز الفنون العربية المعاصرة بشكل خاص، هو اعتمادها، على التقنيات والأساليب الغربية، وخاصة الفرنسية، لدرجة يمكننا معها القول إن الفن التشكيلي السوري والعربي، لم يكن على مدى أكثر من ثمانية عقود، إلا شكلاً من أشكال الحوار بين الشرق والغرب.
هكذا نجد أن التعبير باللمسة اللونية المتحررة أو العفوية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة، هو في جوهره محاولة لاستعادة الطريقة ذاتها التي وضع أسسها الفنان الأوروبي الحديث. والواقع أن الفنون العربية كانت قد أثرت باللوحة الأوروبية الحديثة في مطلع القرن العشرين، لكن الفنان العربي ما لبث أن تأثر بالفنون الغربية الحديثة، حين استعاد في لوحاته الصياغة التلوينية العفوية، التي عالجت البنى الزخرفية العربية برؤية معاصرة.
وحتى التنظير الذي رافق ولادة اللوحة السورية والعربية الحديثة والمعاصرة المتعاملة مع التراث، كان يستمد مفاهيمه مما قاله نقاد الغرب عن أعمال بيكاسو وماتيس وبول كلي وجورج براك وكاندينسكي، وقبل هؤلاء كلود مونيه ورينوار ومانيه وسيسلي وغيرهم، لأنه ليس في قاموس الفن العربي قبل مجيئ هؤلاء مصطلحات اسمها انطباعية أو تكعيبية أو تجريدية غنائية أو تعبيرية انفعالية، وما تفرع عن هذه المدارس من مفاهيم لايزال يروج لها الفنان المحلي والعربي، فالتجريد العربي الزخرفي يختلف في معطياته الجمالية والفلسفية عن معطيات التجريد العربي الحالي المتأثر بالتجريد الغربي، فالمشكلة إذاً ليست في تقليد هؤلاء فحسب، وإنما في التنظير الذي رافق الطروحات الفنية العربية، التي لاتزال تدور في دائرة من المراوحة في تقليد الفنون الوافدة، وبالتالي في تعزيز وتمجيد الحوار الثقافي القائم بين الشرق والغرب.
رؤية – أديب مخزوم