الملحق الثقافي:
في «نهاية الفن»، يجادل آرثر دانتو بأن المجتمع ككل يحدد ويقبل الفن، الذي لم يعد يتقدم خطياً. بدلاً من ذلك، يمتلك كل من المشاهدين نظرية أو اثنتين، يستخدمونهما لتفسير الأعمال، ونقد المؤسسات المكلفة إلى حد كبير بمهمة تطوير واختبار وتعديل طرق تفسيرية مختلفة. بهذه الطريقة، يختلف الفن قليلاً عن الفلسفة. بعد عقود من الاقتتال الداخلي فيما يتعلق بالطريقة الصحيحة لتفسير الأعمال الفنية، أقر دانتو بشكل أساسي كل نهج المؤسسات التي نشأت عنه. جاء ليطلق على هذا مصطلح «التعددية».
وبالمثل، في «الرسم والسياسة وفن ما بعد التاريخ»، يشير دانتو إلى أن نقاد ما بعد الحداثة مثل دوغلاس كريمب في الثمانينيات، وضعوا أنفسهم ضد الشكليات، مع ذلك تنفسوا نفس الهواء.
كانت الممارسة النقدية الحداثية خارج المرحلة مع ما كان يحدث في عالم الفن نفسه في أواخر الستينيات وخلال السبعينيات. وظلت الأساس لمعظم الممارسات النقدية، لا سيما من جانب أمناء المتاحف، وأساتذة تاريخ الفن أيضاً. أصبحت لغة لوحة المتحف، مقال الكتالوج، مقالة في دورية فنية. للفن الحديث مهما كانت محتويات هذا المتحف. لقد كان مستقراً في حديث لقد كان نموذجاً شاقاً، وكان نظيره في الحديث عن «توسيع الذوق» الذي قلل الفن من جميع الثقافات والأوقات إلى هيكله الرسمي، وتم استبداله، ليس بشكل كامل ولكن بشكل كبير، بخطاب ما بعد الحداثة الذي تم استيراده من باريس في أواخر السبعينيات، في نصوص ميشيل فوكو وجاك دريدا وجان بودريلار وجان فرانسوا ليوتارد وجاك لاكان، ومن النسويات الفرنسيات هيلين سيكسوس ولوس إيغاراي. هذا الخطاب أصبح لغة قوية في كل مكان. مثل الخطاب الحداثي، الذي تم تطبيقه على كل شيء، بحيث كان هناك مجال للمناقشة التفكيكية و»الأثرية» للفن في كل فترة.
كان شغف دانتو التوأم هما الفن والفلسفة. شرع في البداية في مهنة كفنان قبل متابعة مهنة أكاديمية في الفلسفة. في عام 1951، بدأ دانتو التدريس في جامعة كولومبيا، وحصل على الدكتوراه في العام التالي. كان ناقداً فنياً في «ذا نيشين» بين عامي 1984 و 2009 وكان مساهماً منتظماً في منشورات مثل «آرت فوروم».
جادل مؤرخو الفن منذ فترة طويلة بأن اليونانيين القدماء سعوا إلى تقليد جسم الإنسان بدرجات أكبر من الشيء المحتمل، وهو نموذج تم إحياؤه خلال عصر النهضة. يرى هذا المفهوم أن الفنانين يجب أن يسعوا لإتقان تقليد الواقع. سعى عدد من مؤرخي الفن الأوائل إلى إظهار مدى تقدم الفنانين المختلفين نحو هذا الهدف النهائي، وبهذه الطريقة، صممت إحدى الروايات السائدة في تاريخ الفن.
وفقاً لدانتو، بدأ الالتزام يتعثر خلال القرن التاسع عشر بسبب صعود التصوير الفوتوغرافي والسينما. دفعت هذه التقنيات الإدراكية الجديدة الفنانين إلى التخلي عن تقليد الطبيعة، ونتيجة لذلك، بدأ فنانو القرن العشرين في استكشاف مسألة هوية الفن الخاصة. ما هو الفن؟ ماذا تفعل؟ كيف يجب تعريف الفن؟ عند طرح مثل هذه الأسئلة، أصبح الفن واعياً لذاته. شككت حركات مثل التكعيبية في عملية التمثيل البصري، وعرض مارسيل دوشامب مبولة كعمل فني. أشرف القرن العشرون على تعاقب سريع للحركات و «الأعاصير» المختلفة، وكلها لها مفاهيمها الخاصة لما يمكن أن يكون عليه الفن. كتب دانتو: «كل ما هو موجود في النهاية، هو النظرية، الفن أصبح أخيراً يتبخر في انبهار من الفكر الخالص، ويبقى، كما كان، فقط كهدف لوعيه النظري».
بعد فوات الأوان، من السهل أن نرى كيف بدأ دانتو في الاقتراب من هذا الاستنتاج خلال الستينيات. كانت حركات مثل بوب آرت وفلوكسيس تكسر بنشاط الحواجز بين الفن كل يوم. كانت الفلسفات النسبية مثل ما بعد البنيوية والوجودية على قدم وساق، وانتقدت الروايات واليقينيات التي كانت الأوساط الأكاديمية الغربية عزيزة عليها في السابق.
يعتقد دانتو أن أي حركات لاحقة كانت غير ضرورية من حيث أنها لن تساهم بعد الآن في متابعة تعريف الفن. وكتب «نحن ندخل فترة أكثر استقراراً وسعادة من المسعى الفني حيث يمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية التي كان الفن يستجيب لها مرة أخرى». على الرغم من أن دانتو زعم أن نهاية الفن لم تكن في حد ذاتها شيئاً سيئاً، إلا أنه بدا في وقت لاحق يندب زواله. في استعراضه لبينالي ويتني 2008، انتقد دانتو حالة العالم الفني التي لا معنى لها. كتب الفيلسوف: «إنها تتجه في أي اتجاه للحديث عنها».
لم تكن فلسفة هيغل رائجة خلال الستينيات، لكن فهمه الغائي للتاريخ كان بمثابة نموذج مفيد لاستنتاجات دانتو. فهم هيغل التقدم باعتباره جدلية شاملة – عملية إدراك ذاتي وفهم تتوج بالمعرفة الخالصة. يتم تحقيق هذه الحالة في نهاية المطاف من خلال الفلسفة، على الرغم من أنه يسبقها في البداية استجواب في صفات الدين والفن. لخص دانتو في مقال لاحق بعنوان «الحرمان من الفن» (1984): «عندما يستوعب الفن تاريخه، عندما يصبح واعياً لتاريخه كما أصبح في عصرنا، بحيث يصبح وعيه بتاريخه جزءاً من طبيعته، ربما لا يمكن تجنبه أن يتحول إلى فلسفة في النهاية. وعندما يفعل ذلك، حسناً، بمعنى ما، ينتهي الفن».
دانتو ليس الفيلسوف الوحيد الذي تبنى جدلية هيغلية. استخدم كل من فرانسيس فوكوياما وكارل ماركس الهيغليانية للوصول إلى استنتاجاتهم التاريخية الخاصة. جادل فوكوياما بأن الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق الحرة تمثل ذروة الحضارة الغربية، في حين جادل ماركس بأن الشيوعية ستحل محل الرأسمالية.
على الرغم من قراءتها على نطاق واسع، فإن نظريات دانتو ليست محبوبة تماماً من قبل صناعة الفن. لا يرغب الفنانون بالضرورة في سماع أن عملهم ليس له إمكانات تنموية. يمثل عمل دانتو أيضاً تحدياً لسوق الفن الذي يعتمد على الأهمية التاريخية المدركة كنقطة بيع فريدة. وتنبأ بأن الطلب في السوق سيتطلب «وهماً لا ينتهي من الجدة»، مستشهداً لاحقاً بالثمانينات من القرن العشرين كمثال على حاجة الصناعة إلى إعادة التدوير وإعادة تعبئة الأشكال والأفكار الجمالية السابقة باستمرار.
التاريخ: الثلاثاء5-5-2020
رقم العدد :997