محمد راكان مصطفى :
أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، يوم الجمعة، الترخيص العام رقم 25 لسوريا، وذلك لتخفيف العقوبات المفروضة عليها فورًا، تماشيًا مع إعلان الرئيس الأمريكي بوقف جميع العقوبات المفروضة عليها. ويسمح الترخيص العام رقم 25 بإجراء المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا، مما يرفع العقوبات عنها فعليًا.
ورأى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، في تصريحه لصحيفة الثورة، أن الأثر الاقتصادي الفعلي لهذا القرار مرهون بقدرة الحكومة السورية على توظيف هذه الفسحة القانونية بشكل أمثل، وتجنب الانزلاق إلى مخاطر عدم الامتثال، ومكافحة غسيل الأموال، وبناء شراكات دولية في القطاعات المسموح بها. وأكد أن المرحلة القادمة يجب أن تشهد تحريرًا تدريجيًا للاقتصاد السوري من جميع العقوبات والعقبات المتبقية، مثل تجميد الأصول السورية في الخارج، وحظر تصدير التقنيات الحساسة إلى سوريا.
واستعرض قوشجي التداعيات المحتملة المباشرة لهذا القرار على الليرة السورية، متوقعًا تحسنًا محدودًا في مؤشرات السيولة النقدية، وانخفاضًا طفيفًا في أسعار السلع المستوردة، مع زيادة في الطلب على الخدمات المصرفية الدولية، بالإضافة إلى انخفاض مؤقت في سعر الدولار مع عودة التحويلات المصرفية الرسمية. ومن المتوقع أن يستقر سعر صرف الدولار في السوق السوداء دون عتبة 10 آلاف ليرة خلال الأشهر القادمة، لكن هذا يعتمد على قدرة مصرف سورية المركزي على استعادة التحكم بسعر صرف الليرة من خلال إدارة حجم التدفقات النقدية عبر القنوات الرسمية (المصرفية، الاستثمارات، تحويلات المغتربين)، واستعادة ثقة المواطنين بالجهاز المصرفي الرسمي بعد سنوات من التدهور.
وحذر قوشجي من مخاطر التقلبات الحادة إذا فشلت الحكومة (ممثلة بمصرف سورية المركزي) في ضبط سياسة طباعة الليرة، وإدارتها بشكل دقيق للسيطرة على التضخم. وأشار إلى أهمية ضبط سعر الصرف من خلال تمويل المستوردات، وإعادة التصدير، وبيع وشراء الدولار من خلال القنوات المرخصة، وإلا فإن الدولار سيعاود الارتفاع مجددًا بسبب الطلب الكبير على الدولار لتغطية مستلزمات الإنتاج في الاقتصاد السوري.
كما أشار الخبير الاقتصادي إلى الإجراءات المطلوبة لتدخل المصرف المركزي، ومنها إعادة تفعيل أساليب جمع احتياطيات أجنبية، وتشديد الرقابة على الصرافين غير المرخصين للحد من التلاعب بالأسعار. واقترح إمكانية إصدار سندات دولارية لجمع العملة الصعبة من المواطنين، والمغتربين، والمستثمرين.
وختم قوشجي بالقول: رفع العقوبات يمثل بداية لانفراج، لكنه ليس حلًا سحريًا. فالنجاح يتطلب خطة حكومية تتضمن إصلاحات جذرية في النظام النقدي والمالي والاقتصادي، بهدف استعادة الحد الأدنى من الثقة بين الحكومة والمستثمرين. وأكد أن نجاح هذه المرحلة يعتمد على تنفيذ إصلاحات جوهرية في السياسات المالية والاستثمارية، بما يحدد مدى قدرة سوريا على تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
من شملهم رفع العقوبات:
شمل رفع العقوبات الأمريكية مجموعة واسعة من الشخصيات والكيانات السورية الرسمية والاقتصادية. ومن أبرز من شملهم القرار: الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب، إلى جانب المصرف المركزي السوري، والخطوط الجوية العربية السورية، وشركة سيترول (SYTROL).
كما ضمت القائمة المصرف التجاري السوري، والمؤسسة العامة للنفط، والشركات العاملة في قطاع الطاقة مثل الشركة السورية لنقل النفط، والشركة السورية للغاز، والشركة السورية للنفط، بالإضافة إلى المصرف العقاري، والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون.
وفي قطاع التكرير والمصافي، شمل القرار شركة مصفاة بانياس، وشركة مصفاة حمص. كما تم رفع العقوبات عن المصرف الزراعي التعاوني، والصناعي، والتسليف الشعبي، ومصرف التوفير.
أما في قطاع النقل البحري والموانئ، فقد شملت العقوبات المرفوعة المديرية العامة للموانئ السورية، والشركة العامة لميناء اللاذقية، وغرفة الملاحة السورية، والهيئة العامة السورية للنقل البحري، والشركة السورية للوكالات الملاحية، والشركة العامة لميناء طرطوس، بالإضافة إلى المؤسسة العامة للتكرير والتوزيع.
وشملت القائمة أيضاً وزارة النفط والثروة المعدنية، ووزارة السياحة السورية، فضلاً عن فندق فور سيزونز دمشق، في خطوة تهدف – بحسب التقديرات – إلى تهيئة البنية التحتية في سوريا وتشجيع تدفق الاستثمارات الداخلية والخارجية، مع الإبقاء على القيود المرتبطة بالتعامل مع الكيانات المدعومة من إيران وروسيا.
ويأتي هذا القرار بهدف تهيئة البنية التحتية في سوريا وتطويرها لاستقبال الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، مع الإبقاء على القيود المفروضة على الكيانات المرتبطة بإيران وروسيا، كجزء من محاولة أمريكية لاحتواء النفوذ الإيراني والروسي في سوريا عبر إعادة ربط الاقتصاد السوري بالغرب، كخطوة نحو دمجه في الاقتصاد العالمي.