ثورة أون لاين- لميس علي:
منذ عقود، قُدّمت الحارة الدمشقية الشعبية وفق رؤى كتّابٍ اجتهدوا في سرد حكاياهم عنها، والتي بدأت تتكاثر منذ مسلسل “باب الحارة” أو ربما قبله في عمل “أيام شامية”، وهي أعمال حاولت تقديم مقترح درامي لما كانت عليه الحياة في الحارة أيام زمان.
غالباً ساد فيها التنميط.. وكل ما يدور ضمنها لا يخرج عن نطاق مشاهدات نمطية لزعيم الحارة، عكيدها، رجالها، ونسائها.. وإلى ما هنالك من مفردات باتت مفتاحية في صياغة هذا النوع من أعمال أصبح يُطلق عليها أعمال “البيئة الشامية”.
في هذا الموسم الدرامي، تستمر الشركتان اللتان اختلفتا ودخلتا المحاكم العام الماضي “قبنض، وميسلون” لإثبات أيهما أحق بملكية مسلسل “باب الحارة”، وقد انتهت القضية بأحقية شركة “قبنض”، تستمران بتقديم المزيد من أعمال النكهة الشامية.
اللافت.. أن الشركتين تمكّنتا، نسبياً، من الخروج من لبوس عمل “باب الحارة”.. وما نشهده في كلا العملين الجديدين لهما “بروكار” و”سوق الحرير” أن أبواب الحارة الدمشقية سمحت بدخول بعض ٍ من أفكارٍ منفتحة.. أضعف الإيمان أنها تحاول.. وكأنها تأتي بما يمكن أن نطلق عليه “دراما الاجتهادات”.
في “بروكار” الذي يأتي من تأليف سمير هزيم، إخراج محمد زهير رجب وإنتاج شركة “قبنض” في الحلقة التاسعة ثمة مشهد يصعّد من حالة التحرر الفكري لدى صبايا الحارة حين يسأل أبو النور (عبد الهادي الصباغ) ابنته بثينة (زينة برافي) إن كانت تخرج من البيت من دون “الملاية” لتجيب الابنة بكل ثقه أنها اتفقت هي وبنات الحارة على عدم لبس “الملاية” لأنها عادة عثمانية لا تمت للإسلام بصلة.
شخصيه بثينة كما رُسمت في العمل تحمل وعياً لافتاً.. هي ليست نموذجاً فريداً في ذلك الزمن بل حتى في هذا الزمن.
وفي العمل الثاني “سوق الحرير” الذي يأتي من تأليف بسام الملا وحنان المهرجي، إخراج الأخوين ملا، وإنتاج شركة ميسلون، نحن أمام طريقة تعاطٍ جديدة مع المرأة من حيث عادات اللباس والخروج من البيت لنرى نسوة بيت الحرايري يذهبن للسينما في الحلقة الثانية عشرة.. وهو ما يدلل على تأثر الفترة الزمنية التي تدور خلالها أحداث العمل في خمسينيات وستينيات القرن العشرين بالمد الفكري الذي كان في ذروته آنذاك.. فيتخلص العمل من مفردات مثل: زعيم الحارة، العكيد.. وغيرها.. محاولاً تقديم صيغة تناسب الفترة الزمنية التي تدور أحداثه ضمنها.
ومع ذلك لم يتعدَّ جو الانفتاح بالأفكار التقدمية التي كانت سائدة، بضع لفتات بسيطة كأن نشاهد شخصية عفيفة (ريان كفارنة) تخالف عقلية سائدة في بيت أخيها عمران (بسام كوسا) الرجل المزواج الذي يعيش في بيت العائلة مع زوجاته الثلاث.
ومع وصول العمل في عرضه ما يتجاوز الثلث، لم يظهر فيه إلا ما يجاري الظاهر دون العمق.
وسواء في “بروكار” أو “سوق الحرير”، اللذين حاولا مخالفة السائد في تقديم الحارة الشامية.. بقيت محاولاتهما معتمدة على أهواء الكتّاب.. رهينة أمزجتهم.. ولطالما كان الكاتب شاهداً على عصره.. وليس على عصر من سبقوه.. كيف لكل تلك الاجتهادات الكتابية النصيّة أن تشتمل على شيء من مصداقية وهي خارج زمنه..؟؟.
وما هي مصادرهم في مقاربة ما يفترض أن تكون عليه الحارة، ماضياً..؟؟.