هل يمكن التعبير عن الشيء بنقيضه..؟؟
يقول ميلان كونديرا: “ثمة وشيجة سرية بين البطء والذاكرة، كما بين السرعة والنسيان”
ولهذا نهرب “بالسرعة” خشية الارتماء في أحضان إيقاع الهدوء والبطء.
بهذا المعنى تصبح السرعة أداتنا وصولاً إلى النسيان..
لِمَ نريد النسيان.. وماذا نبتغي أن ننسى..؟؟
لنحصّل ضالتنا من “نسيانٍ” نلهث وراء المزيد من فوضى الوقت واللحظات دون تأمل طبيعة جريانها وكيفيتها..
كأننا نطحن صمتنا ولحظات تأمّلنا لكل ما يجري من حولنا.
نهاب أن نتحول إلى ذواتٍ متأمّلة.. فنكتشف ما نحاول مداراته بإيقاع السرعة الذي اعتدناه في نبض يومياتنا..
نخاف أن نتعرف على هشاشتنا.. فلا نجرؤ أن نكون وحيدين مع أنفسنا.. ونخشى الاستماع لذواتنا بعمق وحدتها..
فنتحول إلى غرباء عن أنفسنا.. لا ندرك أعماق كينونتنا.
طبقات من النسيان والسرعة تغلف وجودنا المموّه بالكثير من تصنّع الانشغال أو التشتت على رأي المخرج وودي آلان.
لكن حديث المخرج الهوليوودي عن التشتت/الانشغال بقي بمعناه الإيجابي الجميل وليس لغاية نسيان ذواتنا وعدم القدرة على الاعتراف عليها.. إنما لأجل عدم الوقوف وجهاً لوجه مع أسئلة الإنسان الكبرى..
هل هناك أي فرق..؟
إيقاع العصر جعلنا ننسى لذّة الاستغراق في التفاصيل وعيش الحياة بهدوء سيلان لحظاتها محوّلاً إيانا إلى أشخاص يتقنون الهرب ولا شيء سواه..
هكذا امتلأت مفردات عيشنا بكل ما يبتعد عن معاني: الهدوء، التمهل، البطء، التأمل.. لصالح انشغالها بمعانٍ تتسابق مع استعجال “الآني”.. والحصول على المزيد منه.
بتنا نستهجن تدفق الوقت دون محرّك السرعة “لأنها تحوّلت إلى جزء من الشرط الإنساني”..
ومتى ما أبطأتَ لتدخل زمنك الخاص تتخلّف عن الشرط الإنساني الذي جعلوه مقترناً باللهاث..
ومتى ما دخلت دوامة السرعة يقل مفعول الذاكرة.. لأنها تكون امتلأت بأشياء وأحداث متكررة متشابهة لا تمايز بينها..
لنصبح هياكل بشرية دون ذاكرة..
أيعقل أن كل جنون السرعة الحاصل جعلنا نتوه عن ذواكرنا..؟
وتصبح الذاكرة الوحيدة المتاحة لنا هي “ذاكرة للنسيان”..!!
لميس علي -رؤية