ثورة أون لاين – بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
التاسع والعشرون من أيار من عام 1945 يوم وطني أغر له خصوصيته وقدسيته لدى شعبنا، صفحة متوجة بأكاليل الغار، مسطرة بمداد الشهادة ودماء الشهداء، نابعة من طهرهم وتضحياتهم ونبلهم وبطولاتهم.
في كل عام، ومع مرور هذا اليوم، نقف إجلالاً واحتراماً لأولئك الأبرار، نقرأ الفاتحة على أرواحهم، نبجلهم لأنهم قدموا أنفسهم وحياتهم لصون كرامة أهلهم وعزة وطنهم والدفاع عن حرمة مؤسسات دولتهم واستقلالها وسيادتها على ترابها.
اليوم نعود بذاكرتنا إلى ذلك التاريخ العظيم الذي سجل فيه أبطالنا الميامين صفحة ناصعة في مقاومة المستعمر الفرنسي، مستعمر احتل بلدنا تحت شعارات مزيفة مثل (الانتداب) ومساعدة الشعوب المستضعفة على التحرر والنهوض والاستقرار وحماية حقوق الإنسان.
لم تكن تلك الشعارات البراقة إلا الواجهة التي تخفي خلفها كل موبقات المستعمرين وجرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وسرقة ثرواته وأوطانه، وبمجرد ما ذابت مساحيق التجميل عن وجوههم القبيحة ومشاريعهم اللئيمة حتى ظهرت أهدافهم ومراميهم وغاياتهم الخبيثة، وهي نهب الثروات ورسم الخرائط كما تشتهي رياح سفنهم الاستعمارية.
أرادوا تطويع الآخرين لإرادتهم الاستعمارية كي يبقوا كالعبيد في إمبراطورياتهم المترامية الأطراف ويكونوا خدماً لأجنداتهم، فكانت أيام المقاومة من ميسلون إلى الجلاء، وكان التاسع والعشرون من أيار أحد أيام البطولة والتضحية لأولئك الأبطال بوجه المستعمر الفرنسي الغاصب.
رفضوا أوامره بأداء تحية علمه بعد أن وجه جنرالهم المحتل إنذارا إلى رئيس المجلس النيابي المرحوم سعد الله الجابري يطلب فيه أن تقوم قوات الدرك بأداء التحية لعلم الاحتلال، إلا أنه رفض الإنذار وأوعز إلى قائد الدرك العام بعدم الاستجابة له، ورفضت حامية البرلمان بدورها أداء التحية لراية المحتلين، فصب الغزاة جام غضبهم وحقدهم على الحامية ومبنى البرلمان مستخدمين الأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات ودبابات ومصفحات.
لم يكن لدى أبطالنا سوى أسلحتهم الخفيفة لكنهم قاوموا هجوم الغزاة مقاومة شرسة، تسلحوا بإيمانهم بقضيتهم ووطنهم واستشهد ثمانية وعشرون منهم وبقي اثنان على قيد الحياة بعد أن أصيبا بجروح عميقة، فسجل التاريخ لهما بطولتهما وأطلق عليهما (الشهيدين الحيّين)، وانتصر شعبنا على المستعمرين بعد أشهر قليلة وحقق الجلاء بإيمانه وإرادته.
وما أشبه اليوم بالأمس، فهاهم اليوم غزاة العصر أنفسهم، بقيادة الأميركيين وأدواتهم من أتراك وفرنسيين وبريطانيين وسواهم، يرفعون الشعارات المزيفة ذاتها وهم يحتلون أراضينا في الجزيرة والشمال باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، وإذ بهم يحرقون القمح ويسرقون النفط ويرسمون خرائط الفتنة والتقسيم، وكأنهم يعيدون سيرتهم الاستعمارية الأولى.
وكما وقف شعبنا في التاسع والعشرين من أيار وقفة العز والبطولة.. يسطر الأبناء والأحفاد اليوم الموقف ذاته بوجه غزاة العصر وإرهابييهم، ويقاومون مشاريعهم الاستعمارية، وهاهم على الدرب يستلهمون أمجاد آبائهم وأجدادهم ويسطرون حروفها بمداد من نور.