ثورة أون لاين- ناصر منذر
قبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية في أميركا تواجه البلاد أزمات عميقة تهدد مستقبل النظام الأميركي القائم على العنصرية، ويصعب في ظلها التنبؤ بالرهانات السياسية التي ستطول تداعياتها العالم بأسره، والذي بدأت شعوبه تطالب بإيجاد آليات جديدة لنظام عالمي جديد تحكمه المعايير الإنسانية والأخلاقية، والقوانين الدولية التي ترتكز على العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين الدول.
المنهج العنصري والحركات الاحتجاجية المتواصلة تأتي على رأس الأزمات العاصفة بالولايات المتحدة، إضافة لوباء كورونا الذي حصد أكثر من 100 ألف شخص أميركي حتى الآن، وأيضا الركود الاقتصادي العميق الذي يصيب أميركا كغيرها من الدول الغربية بسبب تفشي الفيروس التاجي، وهذه الأزمات الثلاث تلقي بظلها الثقيل على سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي تهرب إلى الأمام بإلقاء المسؤولية على أطراف أخرى داخلية وخارجية، كي تتنصل من مسؤوليتها المباشرة عن تأجيج تلك الأزمات بفعل سوء إدارتها لكل المشكلات الراهنة.
الاحتجاجات ضد العنصرية قد تكون الشعرة التي ستقصم ظهر إدارة ترامب، وامتدادها إلى أرجاء العالم له مدلولات كبيرة لجهة تأثيرها على النظام العنصري القائم في دول الغرب أيضا، خلافا للصورة “الإنسانية” التي يحاول ترويجها هذا الغرب، ولحكومات الدول الأوروبية شواهد كثيرة تثبت أنها لا تقل عن الولايات المتحدة عنصرية وانتهاكا لحقوق الإنسان، ومع ارتفاع حالة الغليان الشعبي ضد سياسات ترامب، وتأجيجه لغضب الشارع الأميركي بتهديداته المستمرة ضد المحتجين واستخدامه قوة البطش لقمعهم، ولد أيضا توترات داخلية بين أجهزة الحكم الأميركية، وانقسامات بين الطبقة السياسية وأركان السلطة، وهذا ينذر بقرب حدوث تصدعات قد تزلزل أركان الإدارة الأميركية، وهذا الأمر يؤكده مفكرون وكتاب أميركيون أمثال كورنيل ويست، ودانيال غيلييون، وفرانكلين فوير، بقولهم: ” إن تضافر الأزمات هذا هو لحظة حقيقة بالنسبة لأميركا”، و” إنها لحظة صعبة جدا”، و“يتم خوض معركتين في أمريكا الأولى صراع طويل ضد أيديولوجيا وحشية وقمعية، والأخرى هي قتال أضيق حول مصير زعيم معين، حيث صعد ترامب إلى السلطة بإشعال التوترات العرقية ويجد الآن مصيره محكوما بوحشية الشرطة والعنصرية”، وأيضا: ” إن هذه الأزمات كانت فظيعة بالنسبة للأميركيين من أصول إفريقية الذين يعانون تاريخياً من وصول محدود إلى نظام الصحة، وهم أفقر من الأميركيين البيض وغالباً ما يسقطون ضحايا لعنف الشرطة”.
إذا فترامب قد يجر بسياساته الهوجاء أميركا إلى مصير مجهول، ونذر الحرب الأهلية ليست مستبعدة من المشهد، خاصة وأن ترامب قد هدد بإشعالها في وقت سابق بحال نجح الحزب الديمقراطي بعزله عن الرئاسة، حتى أن العديد من وسائل الإعلام الأميركية طالما حذرت من انعكاس سياسات ترامب الرعناء على تردي الأوضاع الأمنية في الداخل الأميركي، وقد وصف الكاتب بريت ستيفنز بصحيفة نيويورك تايمز ترامب بأنه كارثة وطنية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الأمريكيين يشهدون حالياً كارثة غير مسبوقة وهي ليست فقط ناتجة عن أسباب معروفة مثل كورونا أو الركود الاقتصادي أو العنصرية بل “رئيس قلب مبادئ البلاد”.
وما يعزز احتمال غرق أميركا أكثر في الاضطرابات الناجمة عن العنصرية، وسوء إدارة أزمة كورونا، والمرجح أن تجتاح المدن الأميركية في مرحلة ثانية على حد تأكيد مسؤولي الصحة الأميركيين، هو أن المرشح الرئاسي المنافس لترامب ” جون بايدن” لا يقل عنصرية عن الرئيس الحالي، وإن حاول أن يظهر بصورة مختلفة أثناء الاحتجاجات المستعرة، حيث إن تعاطفه مع المحتجين هو من بات الاستثمار السياسي والانتخابي فقط، وهو أكد بنفسه أن انتخابه لن يقضي على العنصرية الممنهجة، التي أثارت احتجاجات في جميع أنحاء البلاد في أعقاب وفاة جورج فلويد أثناء عملية اعتقاله بواسطة ضباط شرطة مينيابوليس، وأقر في الوقت نفسه بأن الكراهية لم تبدأ مع ترامب، ولن تنتهي عنده، وهي عمليات شد وجذب مستمرة طوال الـ200 عام الماضية.
ترامب وفي خضم هذه الأزمات نجده يغرق أكثر في مستنقع أخطائه، ويسبح دائما عكس التيار، وبدل أن يعترف بمسؤوليته عن الأحداث الجارية نتيجة خطابه العنصري، أو يبدي أي تعاطف مع مطالب المحتجين يحاول التعتيم على غضب الشعب الأميركي المنتفض ضده، حتى أنه عزا سبب خسارته المزيد من النقاط في استطلاعات الرأي لمصلحة منافسه بايدن إلى ما سماها المضايقات التي تعرض لها طوال فترة حكمه الماضية حسب زعمه، وحاول تعويض اهتزاز صورته بالحديث عن انتصارات اقتصادية مزعومة حققها بفترة رئاسته الماضية، ولكنه يتجاهل أنه يدير شؤون الحكم في بلاده بسياسة تحكمها نزعة إجرامية، وعقلية عنصرية، ولا ريب أنها ستضع الولايات المتحدة أمام مصير مجهول، والعالم برمته يترقب وينتظر.
السابق