ثورة أون لاين-يمن سليمان عباس:
ربما يظن البعض أن الأدب بشكل عام قد تخلى عن رسالته الأساسية ألا وهي مقاتلة القبح بكل أشكاله وألوانه والعمل من أجل حياة أكثر جمالاً وعدالة وتغيير الواقع إلى ما هو أفضل وأكثر بهاء..
هذا دور الأدب ورسالته التي اتفق الجميع عليها..
لكن ثمة موجات من الاغتراب والبعد عن الرسالة أصابت التيارات الأدبية الحديثة وبدلاً من العمل على تطوير الرسالة وصقلها شكلاً ومضموناً مضت في لعبة التغريب والبحث عن الشكل تارة باسم الفن للفن وتارة أخرى باسم الحداثة وما بعدها..
لكن لم يطل المقام بأرض الاغتراب مع أنه ترك آثاراً مفزعة.. فثمة عودة إلى الرسالة الأدبية شكلاً ومضموناً.. في كتابه المهم الصادر بدمشق تحت عنوان: أدب المقاومة بين الأسطورة والتاريخ يعيد الشاعر والناقد الدكتور نذير العظمة يعيد تصويب البوصلة إلى الاتجاه الصحيح ويقرع جرس الإنذار…
وهو في كتابه هذا يلقي الضوء على المشترك التاريخي مع الآخر في الغرب والتطورات التي مهدت إلى نشوء حركة المقاومة وثقافتها وتدرجها الزمني من ثورة في الجزائر إلى حركة تحرير فلسطين إلى المقاومة اللبنانية والبطولات السورية..
في الكتاب النقدي هذا يشير إلى أن النهضة في عالمنا العربي كله كانت لمقاومة العدوان وتثبيت الهوية القومية والشخصية الحضارية، وبزغ الشعر الوطني يتغنى بالحقوق الطبيعية والموروث الحضاري وتميزت قصيدة المقاومة بملامح جديدة في الرؤيا الشعرية ومضمون التجربة الإنسانية للتحرر من سلاسل العبودية وتحرير أرض الوطن من الجيوش الأجنبية وفلول الاستيطان المبعثرة هنا وهناك في المنطقة كلها.
ويرى المؤلف أن حركة المقاومة وأدبها انبثقا على الساحة العربية كجواب على التحديات الغربية، وهي (الحركات ) كل متكامل يجب أن يستمر في العمل المشترك.
ومن الخلاصات التي يصل إليها الكاتب العظمة في كتابه، إن معظم الشعر المقاوم في شعرنا العربي الحديث هو شعر وجداني في الجوهر ، يتصل اتصالاً وثيقاً بتقاليد القصيدة العربية وتاريخها مصطلحها الشعر ولغتها وبيانها وأوزانها وإيقاعاتها المتطورة ونظرية أغراضها، وينبثق شعر المقاومة من وجدان ملتزم ترتبط فيه الذات بموضوع القضية القومية وهو موقف نعرفه في تاريخنا الشعري مذ تحول الشعر، والتزام الشاعر الحديث ليس استمرارا للالتزامات القديمة، وتأصيل عقيدة الالتزام لا يتضمن بالضرورة موقف الشاعر الحديث ومعاناته , بل تتصل اتصالاً قوياً بالعصر وتياراته الفكرية والعقائدية والسياسية والفنية.
وجاءت النزعات الشعرية الحديثة لتخفف من سيطرة الغناء والوجدان ولتضبط الانفعال الشعري بتقنياتها المركزة مقابل سيطرة العاطفة بين جزالة ورقة ولكن يظل الوجدان الشعري هو الجوهر رغم توسله بعناصر من واقع النضال والممارسة وهكذا فإن الانفتاح الوجداني الخبيء في النفس والذاكرة على نظريات الإبداع الشعري الوافدة من التراث الانساني ولا سيما الغربي أدى إلى ثراء القصيدة قصيدة المقاومة وساعد في تشكل الانفعالات الثائرة في صيغ فنية تعانق فيها الذات الموضوع والموضوع الذات.
يقع الكتاب في 140 صفحة من القطع الكبير ويتناول أكثر من عشرين عنواناً في أدب المقاومة منها: شعر النضال الجزائري /محمد الدرة يخاطب أباه/ جميلة بوحيرد عند السياب /اتجاهات الشعر المقاوم والكفاح الفلسطيني/ الوجدان ونظرية المعادل الموضوعي/
/محمود درويش غارسيا لوركا العرب/ غسان كنفاني وارم ذات العماد/ سميح القاسم وارم ذات العماد/ قانا وقانا الجليل/ بوابة فاطمة / القباني / ظاهرة المرأة المقاومة / عروس الجنوب بل عروس النار / المرأة بين الأسطورة والتاريخ..