إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في إطار الحرب النفسية المُستمرة فصولها ضد سورية، وفي إطار الإرهاب التكفيري الذي لم تنته فصوله بعد، وفي إطار الإرهاب الاقتصادي الذي يُسعره تَكاثر الحديث عن آثار “قيصر” وتداعياته، تَغيب عن البعض القراءة الصحيحة للواقع، بمُقابل اندفاع الكثيرين لتَقديم قراءات خاطئة لم تُطلب منهم!.
القراءاتُ الخاطئة إياها، إضافة إلى أنها تَندرج في سياق المُشاركة غير المَقصودة ربما بالحرب النفسية، إلا أن مَكمن خطورتها لا يتوقف عند ذلك، بل يتخطاه لجهة ما تَعكسه – هذه القراءات – من روح انهزامية لدى أصحابها، لا سبيل لإخراجهم من الحالة التي هم فيها سوى بدَفعهم لتَغيير زاوية الرؤية التي يَنظرون منها للمشهد، ومنها يُنَظّرون بطريقة بائسة له، فلا يَرى أحدٌ منهم نصف الكأس المملوءة قوّة ومَناعة!.
ما يُسمى “قيصر” يَنطوي على صيغة عقوبات تَرقى لمُستوى جريمة الحرب، ليس من الصواب التقليل من خطورته، لكن لا يَنبغي المُشاركة بالتّهويل الذي يَترافق معه ولم يَنقطع قَبله، رغم أنّ ما سبَقه لا يَختلف كثيراً عنه!.
متى كانت العقوبات السلاح الأمضى بيد العدو؟ منذ متى كان يُكتب للعقوبات النجاح في لَيّ ذراع أصحاب الإرادة الوطنية الصلبة؟ ومتى كانت سورية خارج عقوبات الأطراف ذاتها التي تَنخرط بالحرب والعدوان؟ بل متى تَوقفت هذه الأطراف عن استهداف سورية بالعقوبات وسواها، لتَنجح اليوم بما أخفقت به على مدى العقود الماضية؟.
لا نُقلل من خطورة الحرب وآثار العقوبات الظالمة كإرهاب اقتصادي، وكأحد أشكال الإرهاب الذي يُمارَس ضدنا، لكن لا ينبغي أن نُشارك بتَهوين العزيمة على المُواجهة وصولاً لتحقيق الانتصار، تماماً كما تَحقق على الإرهاب التكفيري وعلى مُخطط استجلابه وتَوظيفه. وهو الانتصار الذي إذا كان يُستكمل بهذه الأثناء، فإنّ من شأن تَظهير قراءة عدونا لنتائجه الماثلة أن يُظهر الوجه الآخر للصراع، ولهزيمة معسكر أعداء سورية.
في التقييم الصهيوني للحرب والعدوان على سورية، يُلخص ما يُسمى «مركز الأمن القومي الإسرائيلي» النتائج على نحو مُخالف لما يَذهب له البعض، لجهة تَركيزه على أنّ أخطر ما أنتجته هذه الحرب، اكتشافُ حقيقة أنّ قوّة وصلابة سورية بدت أكثر وضوحاً مما كان يُعتقد، وخلافاً لجميع التقديرات المُعتمدة لدى الأطراف المُشاركة بالحرب.
يَتمسك المركز الصهيوني بتعبير «أخطر ما أنتجته الحرب» وليس تعبير «أهم ما أنتجته»، فيُشير إلى أن من أخطر النتائج أيضاً: بروز متانة ورسوخ علاقة سورية مع إيران والمقاومة الوطنية اللبنانية، وتَعاظم قوة الأخيرة، فضلاً عن نشوء تحالفات مُؤثرة، يَذكرُ روسيا، العراق بالاسم، ويَرصد انضمام قوى إقليمية ودولية لهذه التحالفات التي فَرضت مُعطيات مهمة جعلت الصراع يأخذ شكلاً آخر، لن ينتهي قبل أن يُؤدي لتَشكل نظام عالمي جديد!.
المركزُ الصهيوني الذي يَشتغل على الحالة مُقتدياً بلجنة “فينوغراد” الشهيرة، لم يَتوقف بالدراسة والتقييم طويلاً عند الفشل والعوامل المُؤدية له، بمقدار ما استوقفته النتائج لجهة ما يُسميها مَخاطر باتت تُهدد الولايات المتحدة – كحاضن للصهيونية ومشروعها – بمَركزها ومكانتها وموقعيتها في النظام الدولي على نحو أكبر مما يتَهدد مصالحها حول العالم!.
العوامل التي أدت لهذه النتائج، هي ما يجب أن نُظهّره، نَعتني به، ونُزخّمه، بالإرادة، بالاهتمام، ذلك أن لهذه العوامل حاملين أساسيين: إذا كان الأول، مَوضوعياً، يَرتبط أولاً بقوة سورية – جيشها، قائدها، وشعبها – وثانياً بثَبات ومَتانة علاقاتها، وبرسوخ وقوة تَحالفاتها.. فإنّ الثاني يَرتبط أولاً بمَقادير حَماقة قيادة العدوان التي أظهرتها الولايات المتحدة، وثانياً بهشاشة معسكر الأدوات المُستخدمة الصهيو – أميركية.
هذه حقائق، ووقائع، لا تُنكرها منظومة العدوان، إنما تَضعها مَوضع التحليل الدقيق على مبدأ عمل “لجنة فينوغراد”، ويبدو جَلياً أن الكيان الصهيوني يُكلِّف ذاته – أو جَرى تَكليفه – بالبحث والتقصي، وبتقديم الخُلاصات النهائية لجميع الأطراف المُشاركة بالحرب والعدوان، أولها واشنطن، ربما لأنها مع الكيان العبري يُشكلان بُنية عضوية واحدة، والمركز المُوحد لقيادة الحرب والعدوان!..
المعركةُ لم تَنته، سنَكسر ذراع الإرهاب الاقتصادي، العِبرة بالنهايات، نحن من سيَكتبها، وبما يَليق ويَستحق.