ثورة أون لاين – سامر البوظة:
“لا أستطيع أن أتنفس”, تلك العبارة الأخيرة التي نطقها جورج فلويد قبل أن يفارق الحياة تحت ركبة ضابط الشرطة الأميركي, أصبحت أيقونة لدى الشعوب التي تعاني القهر وتنادي بالقضاء على العنصرية والتمييز العرقي والديني, وأشعلت شرارة احتجاجات عارمة بدأت في الولايات المتحدة وامتدت لتطول العديد من بلدان العالم, ولا سيما الدول الأوروبية, حيث خرج الآلاف إلى الشوارع في لندن وباريس وبرلين وهولندا في مظاهرات حاشدة، ليس تضامناً مع فلويد فحسب، وإنما للتعبير أيضاً عن غضبهم من العنصرية المستشرية في بلادهم أيضاً.
فقد فتحت حادثة مقتل فلويد جراح العنصرية الكامنة في المجتمع الأوروبي، وكشفت حجم المعاناة والقهر التي تعاني منها معظم الشعوب الأوروبية وأكدت في الوقت نفسه أنها مشكلة قائمة ولا يمكن إخفاؤها, وجاءت هذه الحادثة لتوقظ آلام سنين من العنصرية والتمييز.
وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين الأوروبيين من التظاهر بحجة الخوف من تفشي فيروس “كورونا” إلا أن ذلك لم يلق آذاناً صاغية, فالاحتجاجات لا تزال مستمرة ورقعتها آخذة بالاتساع, وهو ما يعكس تصاعد الغضب الشعبي إزاء معاملة الشرطة للأقليات, وهي دليل واضح على زيف شعارات “الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية” التي كانت تتغنى بها تلك الدول، والتي أصبحت اليوم وفي ظل صعود التيارات اليمينية المتطرفة، تعاني من انتشار ظاهرة العنصرية والكراهية ضد الأجانب والأقليات الأخرى.
ولم يعد مخفياً أن استمرار الاحتجاجات ضد النظام العنصري القائم في أوروبا وتزايد الغضب قد أثار قلق ومخاوف العديد من الحكومات خوفاً على مصيرها السياسي، وبدأت تتلمس الخطر الحقيقي من ارتفاع حالة الغليان الشعبي ضد الممارسات والسياسات العنصرية التي تتبعها تلك الحكومات بحق شعوبها, فلجأت أغلبيتها إلى محاولة مكشوفة لتلميع صورتها أمام شعوبها عبر تغيير بعض القوانين المتعلقة بعمل الشرطة لاسترضاء المحتجين وإطلاق الشعارات الرافضة للعنصرية, وهو ما عبرت عنه الحكومة الفرنسية عندما أعلنت أنه “لن يتم التسامح إطلاقاً” مع العنصرية في صفوف الشرطة, وقال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير خلال مؤتمر صحافي إنه “لا يمكن لأي عنصري أن يرتدي بجدارة زي الشرطة أو الدرك” بعد أن تضاعفت الاحتجاجات ضد العنف الذي تمارسه الشرطة الفرنسية في الأيام الأخيرة ضد المحتجين.
وفي بريطانيا التي تشهد أيضاً احتجاجات مستمرة تنديداً بعنف الشرطة، تزداد مخاوف الحكومة البريطانية من افتضاح السياسة العنصرية التي ترتكز عليها العقلية البريطانية والسياسة البريطانية في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، وقد صرح رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي ادعى بأنه يريد القضاء على العنصرية بأن أعمال البلطجة العنصرية لا مكان لها في شوارع بريطانيا, إلا أن كل ذلك يبقى في إطار التسويق الإعلامي ليس إلا.
حتى في ألمانيا ورغم كل الإجراءات الحكومية والتصريحات التي تندد بالممارسات العنصرية وبقمع المحتجين, والمحاولات لتلميع الوجه العنصري الذي تتسم به السياسة الألمانية منذ القدم, إلا أن الاحتجاجات لا تزال مستمرة, ما يؤكد أن الدعايات تلك لم تعد تقنع المحتجين، ولا سيما أن مجلة «دير شبيغل» الألمانية ذكرت في تقرير لها أول أمس أن العنصرية متجذرة في الشرطة الألمانية والدليل فيديو انتشر على وسائل التواصل في ألمانيا لفتاة من ذوي البشرة السمراء كانت تبكي بسبب تعرضها لعنصرية واضحة من عاملة بالمتجر الألماني الشهير «روزمان»، والتي طالبتها ببطاقة هويتها عندما وجدت أن الاسم على بطاقتها الائتمانية «ألماني» وعندما استدعت الفتاة الشرطة رفض الضابط تحرير محضر للعاملة وهدد الضحية.
الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول الأوروبية، والغربية على وجه العموم كاستراليا وكندا وغيرها، وهذا يؤكد مجدداً أن الغرب المدعي للحقوق الإنسانية، هو الأكثر انتهاكاً لتلك الحقوق، فهل تكون تلك الاحتجاجات بداية النهاية للعنصرية في العالم؟.
التالي