من الطبيعي أن يتفاءل الشارع بأكثريته عند تعيين رئيس حكومة جديد على أمل التعاطي مع مشكلاته واحتياجاته وقضاياه بشكل أفضل وهذا هو واقع الحال بالنسبة للمواطن السوري الذي تركت الأزمة التي تمر بها البلاد آثاراً وانعكاسات سلبية على حياته اليومية وشكلت ضغطاً حاداً على يومياته المعيشية، في ظل حصار اقتصادي غير مسبوق فرض على الشعب السوري ترافق مع تخريب ممنهج لمنشآت الدولة الاقتصادية وبنيتها التحتية ومحاولات مستميتة لوقف دورة الحياة العامة وإدخال السوريين في مربع الخوف واليأس .
ولا شك أن أداء مؤسسات الدولة التنفيذية وعلى رأسها الحكومة مجتمعة وعلى مستوى كل وزارة له دور كبير في تحسين الاداء العام والاستثمار الأفضل للطاقات والإمكانات المتاحة على الرغم من كل الظروف القائمة، وهنا تبرز أهمية تحديد الأولويات بالنسبة لها بحيث تكون أولويات المواطن هي أولوياتها وفي مقدمتها من وجهة نظرنا مسألتان أساسيتان، أولاهما استمرار عمل المرافق العامة وفي مقدمتها المرفق الصحي والتربوي والخدمي وتأمين مستلزماتها الضرورية، وثانيتهما تأمين السلع الأساسية للمواطنين بسعر مناسب ومعقول بعد الارتفاع الجنوني للأسعار. وباعتقادنا إن استطاعت الحكومة بعد تكليف رئيس حكومة ووزير تموين جدد تحقيق هذين الهدفين فإنها تكون قد حققت نجاحاً كبيراً، ولا شك أن تحقيق هذين الهدفين يحتاج إلى تضافر كافة الجهود الجماعية والفردية الرسمية والأهلية وأن تتحول مؤسسات الدولة والمجتمع إلى خلايا عمل وفي كل المناطق والأماكن والتجمعات وضمن محفظة اقتصادية ذات جدوى تعتمد على كسر الحلقات الوسيطة ما بين المنتج والمستهلك والسعي لرسم خرائط اقتصادية للمحافظات بدل التقسيم الإداري الحالي بحيث نصبح أمام محافظات ممتدة يكون الاعتبار فيها للمعطى الإنتاجي بدل السكاني أو الجغرافي.
إن رفع سقف التوقعات عند البعض دون النظر إلى الظروف التي تعيشها البلاد والاعتقاد بأن رفد الحكومة بأسماء جديدة سيجعلها تمتلك عصاً سحرية هو أمر بعيد كل البعد عن الواقع الذي نعرفه جميعاً، وهنا لابد من التمييز بين التفاؤل بالاداء وهو أمر مشروع والمبالغة في رفع السقف والإبحار في عالم الخيال وهو مسألة صعبة التحقق لعدم توفر معطياتها ومناخاتها الموضوعية.
إن الحديث عن رؤية استراتيجية للحكومة في إطار سياساتها العامة على المستوى الداخلي على قاعدة التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ،وهو ما يشكل خريطة طريق للنهج الاقتصادي للحكومة مضافاً إليه ما يؤكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في كلماته التوجيهية للحكومات المتعاقبة خلال الأزمة بتركيزه على أن تكون الطبقات الفقيرة والوسطى في صلب عملها وإعمال وتفعيل قاعدة التوازن في عملية التنمية بين المحافظات المختلفة وبين الأرياف والمدن وجسر الهوة الاقتصادية والمعرفية بينها وصولاً لمجتمع أكثر عدالة وراحة ومن ثم استقراراً .
إن اتباع سياسات اقتصادية رشيدة وعقلانية تنطلق من الواقع وإمكاناته وظروفه وتحقق نتائج معقولة يلمسها المواطن وتنعكس إيجابياً على حياته المعيشية أفضل بكثير من إطلاق العنان للخيال السياسي والتنظير الأجوف اللاواقعي الذي ثبت عقمه ولا جدواه قياساً على تجارب سابقة، فالمسألة بالنسبة إليه لم تعد ما هو لون القط ولكن المهم أن يصطاد الفئران.
د. خلف علي المفتاح – إضاءات