تلقي الولايات المتحدة بكامل ثقلها العسكري والسياسي والاقتصادي لتثبيت دعائم مشروعها الاستعماري الجديد في المنطقة، هي تدرك أنها فشلت في أكثر من محطة، والفشل الأكثر إيلاماً وقسوة لها هو في سورية، وتدرك كذلك أن تفردها وهيمنتها الأحادية على العالم باتت أمام تحدي الأفول والزوال، وصمود سورية أحد الأسباب، وهذا الإرهاب العسكري والسياسي والنفسي والاقتصادي المتصاعد الذي تمارسه إدارة ترامب بحق السوريين يعكس حالة الفشل التي تمنى بها مخططاتها، ولذلك هي تضع المنطقة أمام فوهة بركان قد يثور في أي لحظة، ولكن حممه المتناثرة لا شك ستجهز على بقايا مشروعها المتهالك.
“قيصر” الإرهابي، وارتداداته ومفاعيله قد يكون شرارة الانفجار، تنقل المحور المقاوم إلى مرحلة متقدمة من المواجهة، وخاصة أن هذا الإجراء العدائي لا يستهدف سورية وحدها، وإنما حلفاءها وأصدقاءها، وبالنظر إلى أبعاده فإنه يهدف لتعزيز النفوذ الأميركي بزرع كيانات إرهابية في سورية، موازية للكيان الصهيوني، كجعل إدلب بؤرة دائمة لإرهابيي النصرة يشرف نظام المجرم أردوغان على إدارتها، وجعل الشمال قاعدة مستدامة للاحتلال التركي بوصفه أداة رئيسية للمشروع الأميركي، وتكريس ميليشيات “قسد” كذراع إرهابي لواشنطن على الأرض، إضافة لتوريث إرهابيي داعش قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف، وكل ذلك تحسباً للخروج المذل لقوات المحتل الأميركي والذي بدأت الولايات المتحدة تخشاه، وربما تحضر له من الآن لاستشعارها بالخطر القادم على وجودها العسكري غير الشرعي.
محاولة تمرير “صفقة القرن” عبر حصار سورية ومعها محور المقاومة هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إدارة العنصري ترامب للتعجيل بدخول “قيصر” العدواني حيز التنفيذ في هذا التوقيت، على مسافة نحو أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث حظوظ ترامب في الفوز بولاية ثانية تتلاشى، وهذا يفسر الإجراءات الصهيونية المتسارعة لضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن لما يسمى “السيادة” الإسرائيلية أول الشهر القادم، ما يعني أن أميركا تستميت في هذه المرحلة لإحداث تغيير سياسي وجغرافي في المنطقة تجعل من الكيان الصهيوني امتداداً لقوتها الغاشمة تضرب من خلاله وقت تشاء، ولكن النتائج لن تكون في مصلحة الكيان الغاصب والمشروع الأميركي، فبحسب المعطيات والمؤشرات القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة ثمة تحضير لانتفاضة فلسطينية شاملة رداً على مخططات الضم الإسرائيلية، وبكل تأكيد فإن محور المقاومة بأكمله سيكون سنداً وداعماً قوياً للشعب الفلسطيني، ولديه الكثير من خيارات الرد لمواجهة مخططات الثنائي الإرهابي ترامب ونتنياهو بكل السبل والآليات الكفيلة بالإجهاز على المشروع الصهيو-أميركي.
أميركا تدفع بقوة اليوم نحو تأزيم الأوضاع في المنطقة والعالم، لخشيتها من قرب نهاية هيمنتها في ظل صعود أقطاب دولية تقف في وجه مشاريعها الاستعمارية، ومحور المقاومة بكافة دوله إلى جانب روسيا والصين أحد تلك الأقطاب الفاعلة والمؤثرة التي ترسم ملامح النظام الدولي الجديد اليوم، ومهما حاولت إدارة ترامب الالتفاف على هذا الواقع، فإنها ستصطدم بالمزيد من الهزائم العسكرية والسياسية والاقتصادية، لأن الشعوب الحرة والمقاومة هي التي ستفرض كلمتها وخياراتها في النهاية.
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر