يتقهقر العدوان الإرهابي مرغماً على الأرض وفي دواخل النفوس ، فيما تتوسع دائرة فيروس كورونا انتشاراً في جميع أنحاء العالم محدثة تغيرات اجتماعية ونفسية وثقافية قبل التغيرات الاقتصادية الكبرى، فتنعكس آثارهما بقوة كبيرة في مختلف المجتمعات لتحدث تغيرات كانت حوادثها أبعد من أسوأ التوقعات التي راودت النفوس المريضة في ذات يوم مضى.
نعم تتداخل العوامل السياسية الإرهابية بالاقتصادية المتردية لتنتج نسقاً هجيناً ومستهجناً من السلوك الإنساني يمثل ردود فعل مصطنعة لخلق واقع مشوه، فما يحصل داخل الولايات المتحدة الأميركية من ممارسات عنصرية مستجدة يكاد يصب في ذات السياق الذي يستهدف تدمير البنية الاجتماعية في بلادنا، وربما يقدم المبررات والدوافع للتحرك نحو الخراب والتخريب مع فارق أساسي يكمن في القدرة على تحديد مسارات الأحداث وضبطها داخل الولايات المتحدة الأميركية بينما يكون وضعها الانفلات داخل بلادنا مضياً في تطبيق فصول الفوضى الخلاقة في الوقت الراهن وبما يستجيب لهذا الواقع الراهن ذاته.
لقد كانت السنوات التسع الماضية ، بكل ما حملته من عدوان وقتل ومآس غير كافية بالنسبة لأصحاب المخطط الاستعماري العدواني الإرهابي ليمضوا في مخططهم الذي يركز على الجانب النفسي والسلوكي للأفراد، متفرقين ومجتمعين، فلا يخرج المسار عن الرؤية التخريبية المستهدفة.
وتأتي الحرب الاقتصادية واحدة من الوسائل المستخدمة بشكل متواصل تحت مسميات تحمل معاني كاذبة وصولاً إلى الإجراءات القسرية أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة الأميركية ومن بعدها دول الاتحاد الأوروبي ، وهي متخذة في الهيئات التشريعية الأميركية تحت أكذوبة دعم الشعب السوري وحمايته، فأي أكاذيب أكبر يمكن توقعها بعد هذه الإجراءات؟.
يرى علماء الاجتماع أن تغير السلوك الاجتماعي للبشر يتساوق مع الوضع المعاشي للأفراد تبعاً للصورة التي يعيشها المجتمع والقيمة التي يصدرها أحكاماً على تصرفات وسلوك الأفراد، الأمر الذي يعطي تفسيرات أولية لظهور حالات شاذة من السلوك الشاذ في مجتمعنا تعكسه حالات الجرائم المستجدة على امتداد ساحة الوطن .
ونظرة بسيطة لتطور تلك الجرائم نرى أنها تتزايد بصورة متسارعة وتنتشر وتتسع بالمكان بحيث لا تقتصر على منطقة محددة، وهي حوادث وجرائم تحدث هزات في الوجدان الإنساني وتلقى رفضاً اجتماعياً كبيراً، لكنها تحدث رداً سلوكياً يكون مخالفاً ومعاكساً ومضاداً لما كان عليه واقع الأمر في الأيام السابقة، فحالة التعاون تهتز وطبيعة العلاقات البسيطة تتلاشى وبعدها تفقد حالة الشعور الأمان بين الأقارب والجيران والأهل، وفي ذلك الجانب يكون الهدف العدواني قد تحقق.
فالحرب التي عرفناها إرهاباً وإعلاماً وحصاراً اقتصادياً تأخذ اليوم أشكالاً نفسية غير مباشرة يراها البعض لا ترتبط بالعدوان الإرهابي بصورة مباشرة فيقعون في المغالطات المتوهمة وينصرفون إلى الخوض في عداء مصطنع يراه بعض المنظرين أحد الجوانب الفاعلة في حروب الجيل الخامس تلك الحروب التي تحاول التحكم في سلوك الأفراد وتغيير مفاهيمهم ومواقفهم فيقبلون بالهزيمة دون أن يكلفوا المعتدي أعباء كبيرة، فهل ينجح المتآمرون في تحقيق هذا الهدف؟
المؤكد أن الأساليب التي اتبعتها حكومات الإرهاب على مدى أكثر من تسع سنوات لم تفلح في تحقيق أهدافها رغم أنها لم تترك أسلوباً إلا ولجأت إليه، وهي اليوم ستفشل بالتأكيد لأن مجتمعنا لن يقبل أبداً بالجرائم والسلوكيات الشاذة التي تسيء إلى تعاضد هذا المجتمع وتعاونه، وستلفظ المجرمين ولن تقبل بتحويل سلوك إجرامي فردي إلى نمط معتاد ينتقل ما بين مناطق سورية ويسيء لتاريخ طويل للنموذج الاجتماعي الأروع والأجمل.
معاً على الطريق-مصطفى المقداد